أساس القوة الملزمة للعرف، من أين العرف يستمد قوته الملزمة؟

في هذه المقالة نقوم في البداية بتعريف القانون، ثم نقوم بإلقاء نظرة سريعة على مصادر القانون، ثم نقوم بتوضيح تعريف العرف، ثم نقوم بتوضيح أساس القوة الملزمة للعرف، حيث تناولنا مجموعة من الآراء مع توضيح النقد لها، مثل هل يستمد العرق قوته من الإرادة الضمنية للسلطة العامة أم من أحكام القضاء أم من الضمير الجماعي ام من قوته الذاتية أم من رأي أخر.

تعريف القانون

درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.

غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.

مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه

خصائص القاعدة القانونية

ويمكننا أن نخلص من التعريف السابق للقانون بأن القاعدة القانونية تتميز بخصائص ثلاث:-

  1. قاعدة عامة ومجردة
  2. قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.
  3. قاعدة مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف.

مقالة ذات صلة: خصائص القاعدة القانونية – شرح بالتفصيل والأمثلة

مصادر القانون

المصادر الأصلية للقانون

  1. التشريع
  2. مبادئ الشريعة الإسلامية . بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية فقط.

المصادر الاحتياطية للقانون

  1. العرف.
  2. مبادئ الشريعة الإسلامية.
  3. مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

مقالة ذات صلة: مصادر القانون – المصادر المادية والتاريخية والرسمية للقانون

تعريف التشريع 

يقصد بالتشريع سن القواعد القانونية وإخراجها مكتوبة، بألفاظ محددة، بواسطة السلطة التي يمنحها الدستور الاختصاص بذلك، وفي هذا المعنى يقال مثلاً أن مجلس النواب هو السلطة التي تتولى عملية التشريع؛ وكذلك يفيد لفظ ” التشريع ” معنى غير ما سبق، إذ هو يطلق على ذات القاعدة القانونية التي تسنها السلطة المختصة، وفي هذا المعنى يقال مثلاً التشريع الضريبي و التشريع الجمركي وتشريع العمل؛ ويستفاد مما تقدم أن مصطلح “التشريع” ينصرف إلى عملية وضع القانون في صورة مكتوبة، كما ينصرف إلى القواعد القانونية ذاتها التي يتم وضعها بموجب هذه العملية، فهو المصدر والنتيجة في ذات الوقت.

مقالة ذات صلة: التشريع: تعريفه، مزاياه،عيوبه، أنواعه، طرق وضعه

تعريف العرف

العرف هو اعتياد الناس على سلوك معين في أمر من أمور حياتهم وشعورهم بأن هذا السلوك أصبح ملزماً، وأن من يخالفه يتعرض لجزاء مادي يوقع عليه؛ وقد يفيد لفظ “العرف” في معنى آخر غير ما سبق، إذ يراد به ذات القواعد القانونية غير المكتوبة التي تنشأ من العرف؛ وهكذا فإن لفظ “العرف” – شأنه شأن لفظ التشريع – يحتمل أحد معنيين:  أولهما هو المصدر الذي يولد القاعدة القانونية، وثانيهما هو القواعد ذاتها المستمدة من هذا المصدر، فهو بذلك يطلق على المصدر والنتيجة في ذات الوقت.

أركان العرف

بما ان العرف هو اعتياد الناس على سلوك معين في أمر من أمور حياتهم وشعورهم بأن هذا السلوك أصبح ملزماً، وأن من يخالفه يتعرض لجزاء مادي يوقع عليه؛ ويستفاد من ذلك أن العرف يقوم على توافر ركنين أساسيين: أولهما هو الركن المادي، ويتمثل في اعتياد الناس على سلوك معين، وثانيهما هو الركن المعنوي، ويتمثل في الشعور بضرورة الالتزام بهذا السلوك وتوقيع الجزاء على من يخالفه.

مقالة ذات صلة: العرف: تعريفه، مزاياه، عيوبه، أركانه، شروطه

أساس القوة الملزمة للعرف

متى اجتمع للعرف ركناه المادي والمعنوي أصبح قاعدة قانونية ملزمة يتعين على الأفراد العمل بمقتضاها، وقد اختلفت آراء الفقهاء حول تحديد الأساس الذي يستمد منه العرف قوته الملزمة بحيث يعتبر مصدرا رسمياً من مصادر القانون؛ ويمكن إجمال أهم هذه الآراء على النحو التالي:-

أولاً:- تأسيس القوة الملزمة للعرف على الإرادة الضمنية للسلطة العامة

ذهب رأي قديم في الفقه الفرنسي إلى القول بأن القوة الملزمة للعرف يمكن تأسيسها على الإرادة الضمنية للسلطة العامة في الدولة، فإذا كان التشريع يستمد قوته الملزمة من خلال الإرادة الصريحة لهذه السلطة، فإن العرف يستمد هذه القوة الملزمة من خلال إرادتها الضمنية المتمثلة في إقرارها للعرف وتكفلها باحترامه.

والحقيقة أن أنصار هذه الفكرة ينتمون إلى المدرسة الشكلية في تأسيس القانون التي لم يعد لها وجود في وقتنا الحاضر، هذه المدرسة التي كانت تنظر إلى القانون على أنه نابع عن إرادة الدولة، فالقانون -في نظرهم- لا يمكن أن ينشأ أو يكتسب صفة الإلزام إلا إذا اعتمدته السلطة العامة في الدولة؛ ومن هنا كان تبريرهم وجود العرف وقوته الملزمة من الإرادة الضمنية للسلطة العامة التي تستخلص من مجرد عدم الاعتراض على العرف وكفالة احترامه.

نقد تأسيس القوة الملزمة للعرف على الإرادة الضمنية للسلطة العامة

وقد تعرضت فكرة تأسيس القوة الملزمة للعرف على إرادة السلطة العامة إلى النقد من وجهتين:-

  • أولهما:- أن هذه الفكرة تتجاهل حقيقة تاريخية مفادها أن العرف يسبق التشريع في الوجود، فهو أول المصادر القانونية التي حكمت المجتمعات البدائية بما يؤكد كونه مصدراً مستقلا عن التشريع، ولا شك في أن هذا الأمر يجعلنا نتصور إمكانية وجوده دون إقرار المشرع له أو رضائه به . للعلم قد أحسن جانب من الفقه المصري التعبير عن هذا النقد بالقول بأنه: “إذا قلنا أن العرف يستمد قوته الملزمة من الرضاء الضمني للسلطة التشريعية، فمن أين كان يستمد تلك القوة قبل أن توجد هذه السلطة؟”.
  • ثانيهما:- تقوم هذه الفكرة على الخلط بين التشريع والعرف بما لا يسمح بإمكانية رسم الحدود الفاصلة بينهما، فالتشريع عبارة عن قواعد مكتوبة تصدرها السلطة المختصة في الدولة في الوقت الذي تريده، في حين أن العرف يتكون بالتدريج من اعتياد الناس على اتباع سلوك معين والشعور بكونه يشكل قاعدة ملزمة.

مقالة ذات صلة: دور العرف في القانون المصري و أمثلة على العرف في القانون

ثانياً:- تأسيس القوة الملزمة للعرف على أحكام القضاء

يذهب أنصار هذه الفكرة إلى القول بأن العرف يستمد قوته الإلزامية من أحكام القضاء، فالقاضي حينما يعرض أمامه نزاع معين فإنه يستطيع من خلاله أن يكشف عن وجود العرف ويحدد مضمونه، ومعنى ذلك أنه لا يتكون إلا بعد حكم القضاء به، فبحكم القضاء يستمد العرف قوته الملزمة؛ وقد ظهرت هذه الفكرة وانتشرت في بادئ الأمر بين فقهاء القانون الإنجليزي حيث نظام السوابق القضائية يلعب دورأ هاماً في إبراز القواعد العرفية وإكسابها القوة الملزمة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى فرنسا لتجد بعض مؤيديها من الفقهاء الفرنسيين.

نقد تأسيس القوة الملزمة للعرف على أحكام القضاء

وعلى الرغم من أننا لا ننكر الدور الهام الذي يلعبه القضاء في تحديد العرف وتوضيحه، إلا أننا لا يمكن أن نجزم بتأسيس القوة الملزمة للعرف على أحكام القضاء، وذلك لسببين رئيسيين:

  • أولهما:- من المتعارف عليه أن العرف، باعتباره أحد مصادر القاعدة القانونية، ينشأ ويستقر ويكتسب قوته الملزمة قبل أن تطبقه المحاكم، وإلا كيف يتسنى لنا القول بأن القضاء يطبقه قبل أن يصير قانونا؟.
  • ثانيهما:- إن القول بتأسيس القوة الملزمة للعرف على أحكام القضاء يغفل مبدأ الفصل بين السلطات، فطبقاً لهذا المبدأ تنحصر سلطة القاضي في تطبيق القانون دون التعرض لإنشائه، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على أحكام القضاء لتأسيس القوة الملزمة للعرف.

ثالثاً:- تأسيس القوة الملزمة للعرف على الضمير الجماعي

 ظهرت هذه الفكرة وتأيدت من جانب أنصار المدرسة التاريخية التي تذهب إلى أن القانون ينبع عن الحاجات الاجتماعية والتاريخية والسياسية للجماعة، وأن العرف هو صاحب الدور الرئيسي في خلق القواعد القانونية، ومن ثم فهو يستمد قوته الملزمة من ضمير الجماعة التي على أساس حاجاتها المختلفة ولد العرف؛ وقد اتجه جانب من الفقه المصري إلى تأييد هذه الفكرة بالقول بأن العرف يستمد قوته الملزمة من الرضا الضمني لأفراد المجتمع، فالمجتمع-في نظرهم- هو الذي يخلق العرف ويطبقه ويتعهد باحترامه.

نقد تأسيس القوة الملزمة للعرف على الضمير الجماعي

وعلى الرغم من اقتناع كثير من الفقهاء سواء في مصر أو فرنسا بتأسيس القوة الإلزامية للعرف على ضمير الجماعة إلا أن هذه الفكرة تعرضت بدورها للنقد من وجهتين رئيسيتين:-

  • أولهما:- أن الأفراد في المجتمعات الحديثة لا يقومون بأنفسهم بعمل القوانين، وإنما يتنازلوا عن هذا العمل إلى هيئة خاصة هي الهيئة التشريعية التي يمنحها الدستور هذا الحق، وبالتالي لا يمكن القول بأن الجماعة هي التي تقوم بنفسها بخلق القواعد القانونية.
  • ثانيهما:- أن تأسيس إلزام العرف على الضمير الجماعي لا يفيد أو يقدم كثيراً، نظراً لما يحيط فكرة الضمير الجماعي من غموض وإبهام يجعل وجود هذا الضمير محل شك.

رابعاً:- تأسيس القوة الملزمة للعرف على قوته الذاتية

نطلق أنصار هذا رأي الأخير من رفضهم لتأسيس القوة الملزمة للعرف على إرادة المشرع، أو على أحكام القضاء، أو حتى على فكرة الضمير الجماعي، وإنما يتجهون إلى القول بأن للعرف قوة إلزام ذاتية تنبع من العادات التي يسير عليها الأفراد في سلوكهم، ومن الضرورات الاجتماعية التي تفرض ظهور العرف عندما لا يوجد تشريع، كما كان عليه الحال في المجتمعات القديمة، أو عندما يوجد نقص في التشريع، مثلما عليه الحال في المجتمعات المعاصرة.

نقد تأسيس القوة الملزمة للعرف على قوته الذاتية

وقد رفض أنصار فكرة الضمير الجماعي تأسيس القوة الملزمة للعرف على قوته الذاتية، فهم يرون -من ناحية أولى- أن مثل هذا الأساس يكتنفه الغموض لأنه بمثابة عدول عن وضع أي نظرية في أساس القوة الملزمة للعرف، كما يرون -من ناحية أخرى- أنه إذا كانت ضرورة العرف الذاتية لتنظيم المجتمع هي التي تبرز اعتباره مصدراً للقواعد القانونية، إلا أنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعطي للعرف قوته الملزمة.

رأي خاص

ولعلنا نستهل وجهة النظر هذه بالتسليم بما انتهى إليه الرأي الفقهي الذي يقول بأن البحث في أساس القوة الملزمة للعرف لا يعدو أن يكون بحثاً فلسفياً بحتاً، خصوصاً في نظامنا القانوني المصري الذي نص فيه المشرع صراحة بالمادة الأولى من القانون المدني على اعتبار العرف أحد مصادر الرسمية للقانون، هذا من الناحية الواقعية.

أما من الناحية الفلسفية، فإننا نرى أن الاعتماد على أحد الأفكار السابقة لا يكفي بذاته لتأسيس القوة الملزمة للعرف، فلا يمكن أن ننكر دور المشرع في إكساب العرف قوته الملزمة خصوصاً مع النص الصريح في المادة الأولى من القانون المدني المصري على اعتبار العرف مصدر رسمي للقانون، وفي ذلك إشارة واضحة إلى دور المشرع في إكساب العرف قوته الملزمة، كذلك لا نستطيع أن نجحد دور القضاء في الكشف عن القواعد العرفية وترسيخها في نفوس الأفراد، يضاف إلى ذلك دور إرادة الأفراد في صنع العادات التي تفرضها الضرورات الاجتماعية، وفي الشعور بكونها ملزمة؛ وهكذا ننتهي إلى أن العرف لا يستمد قوته الإلزامية من فكرة واحدة، وإنما من مجموعة الأفكار التي سبق وأشرنا إليها.

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *