الأهلية في القانون: ما هي، تدرج الأهلية مع السن، عوارض الأهلية

المحتويات إخفاء

في هذه المقالة وضحنا في البداية تعريف القانون، وتعريف الحق، ثم القينا الضوء على أركان الحق وأشخاص الحق وخصائص الشخصية الطبيعة والتي منها الأهلية وهو موضوع مقالة اليوم؛ فقمنا بتوضيح تعريف الأهلية، ثم وضحنا الفرق بين التصرفات القانونية والأعمال المادية، والفرق بين أهلية الأداء والولاية، ثم وضحنا تقسيم الأعمال القانونية بالنسبة للأهلية، ثم وضحنا تدرج الأهلية مع السن، ثم ختمنا المقالة بتوضيح عوارض الأهلية بالتفصيل.

تعريف القانون

درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.

غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.

مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه

تعريف الحق

الحق هو استئثار شخص بميزة معينة استئثارًا يحميه القانون؛ فالحق استئثار، أي أن الميزة تنسب لصاحب الحق، وتثبت له دون غيره؛ والميزة التي يستأثر بها صاحب الحق هي عبارة عن سلطات معينة يمارسها بقصد إشباع مصلحة معينة، فالميزة هنا تتضمن وسيلة وغاية، ولا يقتصر معناها على السلطة وحدها أو المصلحة بمفردها، فمالك الأرض يستأثر بميزة معينة هي سلطاته في استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه بغرض تحقيق مصلحة معينة له من الاستعمال أو الاستغلال أو التصرف.

والميزة، سواء باعتبارها وسيلة أو غاية، يجب أن تكون مشروعة، وإن كنا لم نورد ذلك في التعريف، فإن ذلك مفهوم ضمنا، وبحكم الضرورة؛ لأن صاحب الحق إذا استخدم سلطاته لتحقيق مصلحة غير مشروعة فإن القانون لن يحمي له استئثاره بميزته، لأننا نكون قد خرجنا عن نطاق الحق. والقانون يحمي استئثار الشخص بالميزة، وهو إذ يحمي هذا الاستئثار، فإن ذلك يفترض بالضرورة أنه يقره لأنه لا يتصور أن يحمي القانون ميزة معينة لشخص وهو لا يقرها.

والنتيجة الطبيعية للاستئثار بالميزة هي وجوب احترام الغير للحق، سواء في صورة واجب سلبي عام يقع على عاتق الكافة، باحترام الحق أو في صورة واجب خاص يقع على عاتق المدين بالوفاء بدينه لصاحب الحق الشخصي؛ والتزام الغير باحترام الحق مصدره القانون الذي يحمي الاستئثار بالميزة، فلم يكن من المتصور أن يقر القانون استئثار شخص بميزة ثم يتركه دون حماية ضد اعتداء الغير.

مقالة ذات صلة: الحق: تعريفه، أنواعه، أركانه، مصادره، أشخاصه، محله

أركان الحق

ذكرنا أن الحق هو استئثار شخص بميزة معينة استئثاراً يحميه القانون، ويظهر من هذا التعريف أن الحق يفترض أولا شخصاً معيناً يٌثبت له الاستئثار، ومن ثم التسلط والاقتضاء، وعلى ذلك فالركن الأول في الحق هو الأشخاص أصحاب الحقوق ؛ ثم إن الاستئثار ينصب على قيم أو أشياء معينة هي محل الحق، ومحل الحق إما أن يكون شيئا كما في الحقوق العينية، وإما أن يكون عملأ أو امتناع عن عمل، كما في الحق الشخصي، وبالتالي فالأشياء أو الأعمال هي الركن الثاني في الحق.

أما الحماية القانونية للحق، فهي وإن كانت ضرورية له، فهي ليست ركنا فيه، ولقد تناولنا الحماية القانونية عند تناولنا استعمال الحق، بهذا يتحدد موضوع أركان الحق بمسألتين هما: أشخاص الحق ومحل الحق.

أشخاص الحق

المقصود بالشخص

المقصود بالشخص من الناحية القانونية هو من يتمتع بالشخصية القانونية.

المقصود بالشخصية القانونية

الشخصية القانونية معناها الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالواجبات، أي الالتزامات، فكل من كان صالحا لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، يسمى في لغة القانون شخصاً، ولكل شخص الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، والشخصية القانونية تثبت للإنسان بمجرد ولادته، والإنسان يسمى الشخص الطبيعي؛ وبالإضافة إلى الإنسان، فان الشخصية القانونية تثبت لبعض مجموعات من الأشخاص أو الأموال، كالجمعيات والمؤسسات، وهذه المجموعات التي تكتسب الشخصية القانونية تسمى شخصاً معنوياً أو اعتبارياً، لأنها شيء معنوي غير محسوس.

مقالة ذات صلة: أنواع الشركات – الشركات الفردية وشركات الأشخاص وشركات الأموال

مميزات أو خصائص الشخصية

تستطيع الإطلاع على كل ميزة من مميزات الشخصية بالتفصيل بالضغط علي المقالة المنفصلة المشار اليها باللون الازرق.

تعريف الأهلية

أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وهو ما يعبر عنه بالشخصية القانونية، كما بينا في بداية المقالة، أما أهلية الأداء فهي قدرة الشخص على مباشرة التصرفات القانونية التي تكسبه حقا أو ترتب على عاتقه التزاما.

وقد بيئا أن الشخصية القانونية أو أهلية الوجوب تثبت للشخص بمجرد ميلاده، وتلازمه حتى وفاته، أما أهلية الأداء فلا تثبت لكل إنسان، لأنها تتضمن القدرة على مباشرة التصرفات القانونية، وهذا يتطلب قدرا من التمييز وسلامة القوى العقلية، وأهلية الأداء هي التي تكون موضوع مقالتنا اليوم.

الفرق بين التصرفات القانونية والأعمال المادية

الأعمال التي تصدر من الإنسان وتترتب عليها أثر قانوني، إما تكون تصرفات قانونية أو أعمال مادية.

التصرفات القانونية

فالتصرف القانوني هو اتجاه إرادة الشخص لإحداث أثر قانوني معين يرتبه القانون إعمالا لهذه الإرادة، ومثاله البيع والإيجار والهبة، ففي هذه العقود نجد الإرادة اتجهت لإحداث أثر قانوني معين، رتبه القانون احتراما لهذه الإرادة، فمثلا في البيع اتجهت إرادة البائع إلى نقل ملكية المبيع إلى المشتري، واتجهت إرادة المشتري إلى دفع الثمن مقابل انتقال ملكية الشيء إليه، واحتراما لإرادة البائع والمشتري، فان القانون يرتب على عقد البيع التزام بنقل الملكية والتزام بدفع الثمن، وهكذا في سائر العقود والتصرفات القانونية.

ولما كان القانون يرتب هذا الأثر أو هذه النتيجة على التصرف القانوني استجابة لإرادة الأفراد، فإنه كان من الطبيعي أن يشترط في هذه الإرادة التمييز أو القدرة على تفهم الأمور والوعي الكافي بآثار هذه التصرفات، وبمعنى آخر كان لابد من اشتراط أهلية الإرادة التي هي القدرة على القيام بهذه التصرفات القانونية.

الأعمال المادية

أما الأعمال المادية التي يرتب عليها القانون أثرا، فهي قد تكون أعمالا ضارة، أي أن الشخص الذي سبب بخطئه ضررا للغير يلتزم بتعويض هذا الغير عن الضرر الذي أصابه، وقد تكون أعمالا نافعة، كمن يتولى إدارة شأن عاجل من شتون غيره، ويتكبد في سبيل ذلك نفقات، فهنا يلتزم صاحب هذا العمل بتعويض من قام به عن تلك النفقات.

ففي هاتين الحالتين، يرتب القانون أثرا معينا على الفعل الضار أو الفعل النافع، ولكن في ترتيبه لهذا الأثر لا يعتبر مستجيبا لإرادة الأفراد الذين صدر منهم العمل الضار أو الفعل النافع أي لا يرتب هذا الأثر تحقيقا لإرادتهم، وإنما هو يرتبه من تلقاء نفسه حتى رغم إرادتهم، ومادام ترتب الأثر القانوني هنا ليس نتيجة لاتجاه الإرادة إليه، فإنه من الطبيعي ألا يشترط القانون أن تكون إرادة من صدر منه التصرف مميزة أو واعية، لأنه لا دخل لها في ترتيب الأثر، وبالتالي لا يشترط أهلية الأداء بالنسبة للأعمال المادية.

الفرق بين أهلية الأداء والولاية

قلنا إن أهلية الأداء قدرة الشخص على مباشرة التصرفات القانونية التي تكسبه حقا أو ترتب على عاتقه التزاما، أي تلك التصرفات التي تنتج أثرها في ماله، وهي تفترق عن الولاية التي هي سلطة الشخص في القيام بتصرفات قانونية ترتب للغير حقا أو عليه التزاما، أي تلك التصرفات التي تنصرف آثارها في ذمة الغير، أي بالنسبة لمال الغير؛ فمثلاً، الوصي على القاصر ينوب عنه في مباشرة التصرفات القانونية، ومتى باشر الوصي تصرفا قانونيا متعلقاً بمال القاصر، فإن آثار هذا التصرف تترتب في ذمة القاصر وليس في ذمة الوصي، فإذا باع سيارة مملوكة للقاصر، فان الالتزام بنقل ملكية هذه السيارة يقع على عاتق القاصر، والحق في قبض ثمنها يكتسبه القاصر، لكن لا يرتب هذا العقد أي أثر بالنسبة لمال الوصي.

فأهلية الأداء تعني قدرة الشخص على مباشرة التصرفات التي تنتج أثرها في ذمته بترتيب حق له أو التزام على عاتقه، أما الولاية فهي سلطة الشخص في القيام بتصرف قانوني تترتب آثاره في ذمة شخص آخر هو المشمول بهذه الولاية؛ وفي هذه الحالة الأخيرة لا نقول إن من له الولاية، أي الوصي مثلاً له أهلية الأداء، وإنما نقول إن له “ولاية” على مال الغير.

تقسيم الأعمال القانونية بالنسبة للأهلية

ونحن بصدد الكلام عن الأهلية وبيان قواعدها وأحكامها يهمنا أن نميز بين ثلاثة أنواع من الأعمال القانونية، لأن كل نوع منها يشترط قدرا من الأهلية غير القدر المتطلب للأنواع الأخرى، وهذه الأنواع الثلاثة هي الأعمال النافعة نفعاً محضاً، والأعمال الضارة ضرراً محضاً والأعمال الدائرة بين النفع والضرر.

1. الأعمال النافعة نفعاً محضاً

وهي التصرفات التي يثرى من يقوم بها دون مقابل، مثل قبول الهبة، وقبول الوصية، والإبراء من الدين، فالذي يقبل الهبة أو الوصية يكتسب حقا دون مقابل، والذي يقبل الإبراء من الدين يسقط دينا دون أن يخسر شيئا مقابل ذلك.

2. الأعمال الضارة ضرراً محضاً

وهي التي تؤدي إلى افتقار من يقوم بها دون أن يأخذ مقابلا لذلك، كالهبة بالنسبة للواهب، والإبراء من الدين بالنسبة للمدين.

3. الأعمال الدائرة بين النفع والضرر

وهي التي يأخذ فيها الشخص مقابلا لما يعطي، كما في البيع والإيجار، فالبائع ينقل ملكية المبيع، وفي مقابل ذلك يقبض الثمن، والمؤجر يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين مقابل تحصيل الأجرة منه.

أساس الأهلية

يقصد بأساس الأهلية أو مناط الأهلية العامل المؤثر في هذه الأهلية، وهذا العامل هو التمييز، وبالنظر إلى هذا الأساس، فان الشخص يكون كامل الأهلية إذا كان كامل التمييز، ويكون ناقص الأهلية، إذا كان ناقص التمييز، ويكون عديم الأهلية إذا كان عديم التمييز؛ والتمييز بدوره يتوقف على عاملين، هما: السن والحالة العقلية للإنسان، فمن المعروف أن قدرة التمييز تزداد مع زيادة سن الإنسان، ثم إن الإنسان قد تصيبه عاهة في عقله أو اختلال فيه يؤدي إلى ضعف التمييز أو انعدامه، وهذا ما يسمى بـ موانع الأهلية؛ وعلى ذلك فإننا نستطيع أن نقرر أن أهلية الأداء تتأثر بعاملين هما: السن و عوارض الأهلية، وفيما يلي نتكلم عن تدرج الأهلية حسب السن ثم عوارض الأهلية.

أولاً: تدرج الأهلية مع السن

يمر الإنسان في حياته ومن حيث أهليته بأدوار ثلاثة:

  • الدور الأول: منذ ولادته حتى بلوغه سن السابعة: وفي هذا الدور يكون عديم التمييز، وبالتالي عديم الأهلية.
  • الدور الثاني: ابتداء من بلوغه السابعة حتى بلوغه سن الرشد: وسن الرشد هو “إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة”، وفي هذا الدور يكون ناقص التمييز وبالتالي ناقص الأهلية.
  • الدور الثالث: منذ بلوغه سن الرشد حتى وفاته: وفي هذا السن يعتبر كامل التمييز، وبالتالي كامل الأهلية.

الدور الأول: الصبي غير المميز

في هذه المرحلة، وهي التي تبدأ – كما قلنا – منذ ولادة الإنسان وتنتهي ببلوغ سن السابعة، يكون الإنسان عديم التمييز لا يستطيع أن يدرك ماهية التصرفات القانونية وآثارها، وبالتالي تكون أهلية الأداء عنده منعدمة، وبناء على ذلك فان جميع التصرفات التي يجريها تقع باطلة بطلانا مطلقا، أي لا ترتب أي أثر، وتكون هي والعدم سواء؛ ويجوز أن يتمسك بها الصبي بعد بلوغه والولي أو الوصي عليه وكل ذي مصلحة، ثم إن هذا البطلان لا يمكن أن تصححه إجازة الصبي له بعد بلوغه سن الرشد أو إجازة الولي أو الوصي، وهذا البطلان المطلق يلحق كل التصرفات القانونية التي يقوم بها الصبي، سواء كانت تصرفات نافعة نفعا محضاً، كقبول الهبة، أو ضارة ضررا محضاً، كالتبرع بالمال أو دائرة بين النفع والضرر، كالبيع.

وفي هذا تنص المادة ٤٥ مدني على أنه: (١) “لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن…”. (٢) “وكل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقدا للتمييز”؛ وتضيف المادة ١١٠ مدني “ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله، وتكون جميع تصرفاته باطلة”، ومما يجدر ملاحظته أن القانون يفترض أن الإنسان في هذا الدور فاقد التمييز، وبالتالي فاقد الأهلية، وهذا الافتراض لا يقبل إثبات العكس.

الدور الثاني : الصبي المميز

يبدأ هذا الدور ببلوغ سن الإنسان سن السابعة، وينتهي ببلوغه سن الرشد، وهو إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة، وفي هذا الدور يكون الإنسان قد بلغ درجة معينة من التمييز، ولكن ليس بعد مكتمل التمييز، فتكون أهليته ناقصة، ويختلف حكم التصرفات التي يجريها في هذه المرحلة حسب نوع التصرف. وعلاوة على ذلك، فان القانون اعتبره كامل الأهلية بخصوص بعض التصرفات الخاصة.

اختلاف حكم تصرفات الصبي المميز حسب نوعها

قلنا فيما سبق إن التصرفات القانونية تنقسم إلى ثلاثة أنواع، وذلك إذا نظرنا إليها بالنسبة للأهلية، فهي إما تكون نافعة نفعا محضا أو ضارة ضررا محضا أو دائرة بين النفع والضرر، فاذا أجرى الصبي المميز تصرفا من هذه التصرفات فإن حكمه يختلف حسب نوعه.

1. التصرفات الضارة ضررا محضا

يعتبر الصبي المميز بالنسبة لها عديم الأهلية، وبالتالي تقع باطلة بطلانا مطلقا (مادة ١/١١ مدني)، فاذا وهب الصبي المميز شيئا من ماله أو أبرأ مدينا له من دينه، فان هذا التصرف يكون باطلا بطلانا مطلقا، بمعنى أنه لا ينتج أي أثر على الإطلاق، ويجوز له بعد سن الرشد أو لوليه، ولو قبل سن الرشد أن يتمسك بهذا البطلان، بل ويجوز التمسك به لكل ذي مصلحة ولا ينقلب هذا البطلان صحيحا بالإجازة.

2. التصرفات النافعة نفعا محضا

مثل قبول الهبة أو قبول الوصية تكون صحيحة، وأن الصبي المميز يعتبر بالنسبة لها كامل الأهلية.

3. التصرفات الدائرة بين النفع والضرر

كالبيع والإيجار، يعتبر الصبي المميز بالنسبة لها ناقص الأهلية، فتكون قابلة للإبطال (مادة ١/١١١ مدني) أو باطلة بطلانا نسبيا، و معنى القابلية للإبطال أو البطلان النسبي أن التصرف ينتج آثاره ويظل باقيا، لكن يجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد، وللوصي أن يطلب إبطال هذا التصرف، وذلك بدعوى أمام المحكمة، فإذا حكمت المحكمة بابطاله، زال بأثر رجعي، وزال ما ترتب عليه من آثار، وتترتب على ذلك أن ناقص الأهلية يكون له الحق في استرداد ما دفعه، أما المتعاقد مع ناقص الأهلية، فانه لا يسترد منه ما دفعه إلا بمقدار ما عاد عليه من نفع بسبب تنفيذ العقد، فإذا كان ناقص الأهلية قد تسلم بمقتضى العقد عينا معينة بالذات، كسيارة مثلا، فاحترقت فان المتعاقد معه لا يستطيع استرداد شيء منه.

هذا ويلاحظ أن طلب إبطال التصرف حق مقصور على القاصر أو وصيه، بمعنى أن الطرف الآخر الذي تعامل مع القاصر لا يستطيع طلب إبطال التصرف؛ ومن ناحية أخرى، فإنه لا يشترط لإبطال هذا التصرف أن يكون الطرف الآخر عالما بنقص أهلية القاصر، إلا أنه إذا تعمد القاصر إخفاء نقص أهليته باستخدام طرق احتيالية، فإنه يلتزم بتعويض الطرف الآخر عما أصابه من ضرر بسبب فعل القاصر (مادة ١١٩ مدني)، ومن الممكن أن يصير التصرف القابل للإبطال تصرفا صحيحا بصورة نهائية إذا أجازه القاصر بعد بلوغه سن الرشد أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة (مادة ١١١ مدني/٢).

وهذه الأحكام كلها تضمنتها المادة ١١١ مدني، التي تنص على أنه: “(١) إذا كان الصبي مميزا كانت تصرفاته المالية صحيحة، متى كانت نافعة نفعا محضا، باطلة متى كانت ضارة ضررا محضا. (٢) أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر، فتكون قابلة للإبطال لمصلحة القاصر، ويزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد، أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقا للقانون”.

استثناء بعض التصرفات من نقص أهلية الصبي المميز

إذا كانت القاعدة العامة هي أن أهلية الصبي المميز تكون نافعة، فان المشرع قد خرج على هذه القاعدة واعتبره كامل الأهلية بالنسبة لبعض التصرفات:-

  1. طبعا لنص المادة ٦١ من قانون الولاية على المال، “للقاصر أهلية التصرف فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه عادة من مال لأغراض نفقته، ويصح التزامه المتعلق بهذه الأغراض في حدود هذا المال فقط”، فالعادة تجري على أن يخصص للصبي في هذه الفترة بعض الأموال لأغراض نفقته الخاصة، كما إذا كان طالبا مغتربا لطلب العلم، ويضع أهله تحت تصرفه مبلغا معينا لينفق منه على دراسته ومعيشته؛ وفي هذه الحالة تصح تصرفاته القانونية المتعلقة بإنفاق المال في هذه الأغراض، فيستطيع أن يشتري حاجياته من مواد غذائية أو ملابس أو كتب، وهنا تعتبر تصرفاته صحيحة تماما، وليست باطلة أو قابلة للإبطال، لكن يلاحظ أن التزاماته الناشئة عن هذه التصرفات تكون قاصرة على المال الذي يسلم له لأغراض نفقته.
  2. يكون القاصر في هذه المرحلة أيضا كامل الأهلية بالنسبة لعقد العمل الفردي، فطبعا لنص المادة ٦٢ من قانون الولاية على المال، يجوز للقاصر أن يبرم عقد العمل الفردي، فهنا يكون عقد العمل صحيحا ومنتجا لآثاره، ولكن حماية للقاصر قررت هذه المادة أن “للمحكمة بناء على طلب الوصي أو ذي شأن إنهاء العقد رعاية لمصلحة القاصر أو مستقبله أو لمصلحة أخرى ظاهرة”.
  3. يكون القاصر الذي بلغ السادسة عشرة أهلا للتصرف فيما يكسبه من عمله من أجر أو غيره، ولا يجوز أن يتعدى التزام القاصر حدود المال الذي يكتسبه من مهنته أو صناعته (مادة ٦٣ من قانون الولاية على المال).
    يحدث مثلا أن يجد الصبي المميز حرفة أو صناعة معينة، يكتسب منها دخلا، وهنا قرر القانون أن هذا الصبي حر التصرف في كسبه من عمله الخاص، وبالتالي فما يجريه من تصرفات قانونية، بالنسبة لكسبه هذا يعتبر صحيحا مادام أنه قد بلغ السادسة عشرة من عمره، ولكن المشرع توقع أن الشاب في هذه السن يكون طائشا، فيغريه المكسب الوفير، فيسرف في الإنفاق، ويبذر دخله الذي كسبه، خاصة إذا كان يعمل في حرفة تدر عليه دخلا وفيرا، كالسينما أو بعض المهن الحرة، ولمواجهة هذا الاحتمال قررت المادة ٦٣ من قانون الولاية على المال إمكان تقييد حقه في التصرف في هذا المال وذلك بقولها: “ومع ذلك، فللمحكمة إذا اقتضت المصلحة أن تقيد حق القاصر في التصرف في ماله المذكور، وعندئذ تجري أحكام الولاية والوصاية”. ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن التزامات القاصر الناشئة عن تصرفاته في كسب عمله لا يجوز أن تتعدى حدود هذا الكسب.
  4. تنص المادة ١١٢ مدني على أنه “إذا بلغ الصبي المميز الثامنة عشرة من عمره وأذن له في تسلم أمواله لإدارتها أو تسلمها بحكم القانون كانت أعمال الإدارة منه صحيحة في الحدود التي رسمها القانون”.
    وهذا النص يعتبر الصبي المميز البالغ من العمر ثماني عشرة سنة كام الأهلية بخصوص أعمال الإدارة المتعلقة بالأموال التي تسلمها، فاتصرفات القانونية التي يجريها القاصر متعلقة بهذه الأموال تكون صحيحة، والمقصود بأعمال الإدارة هي تلك الأعمال التي يقصد بها استثمار الأموال واستغلالها، كتأجير المال المملوك للقاصر، ولكن لا يجوز للقاصر الذي سلمت له أمواله أن يقوم بالتصرف فيها بأن ينقل ملكيتها للغير أو يرتب عليها حقا عينيا، كالانتفاع مثلا، وحتى بالنسبة لأعمال الإدارة، فان القانون قد قيد حرية الصبي المميز في هذه الحالة بقوله في المادة ٥٦ من قانون الولاية على المال: “ولكن لا يجوز له (أي للصبي المميز) أن يؤجر الأراضي الزراعية والمباني لمدة تزيد على سنة”.
  5. ورغم أن الوصية تعتبر من الأعمال الضارة ضررا محضا، فان القانون أجاز أن يوصي الصبي بماله إذا أذنت المحكمة في ذلك (مادة ٥ من القانون رقم ٧١ لسنة ١٩٤٦ بشأن الوصية).
  6. يجوز للقاصر الذي بلغ الثامنة عشرة من عمره أن يباشر التجارة متى أذنته المحكمة في ذلك (مادة ٥٧ من قانون الولاية على المال)، وعندئذ تعتبر أعماله القانونية التي تقتضيها التجارة صحيحة رغم أنه لم يبلغ سن الرشد.

الدور الثالث: البالغ الرشد

تنص المادة ٤٤ مدني على أن: ” ١- كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، ٢- وسن الرشد هي إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة”؛ فهذه المرحلة تبدأ ببلوغ الإنسان سن الرشد وهي إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة، بشرط أن يبلغها متمتعا بكامل قواه العقلية. وفي هذه المرحلة يكتمل تمييز الإنسان، ويصبح كامل الأهلية بالنسبة لجميع التصرفات القانونية، ولكن يشترط، كما قلنا، أن يبلغها متمتعا بقواه العقلية، فاذا بلغها مصابا بمرض عقلي أو أصيب بهذا المرض بعد بلوغها، فان أهليته تكون منعدمة أو نافعة حسب الأحوال، وهذا ما يؤدي بنا إلى الكلام عن عوارض الأهلية.

ثانياً: عوارض الأهلية

عوارض الأهلية هي أمور تطرأ على الإنسان، فتؤثر في أهليته، إما لإصابته بعاهة عقلية تعدم أهليته، كالجنون والعتة أو تنقصها، كالغفلة والسفه، وإما لإصابته بعاهة في حواسه، كالصمم والبكم والعمى فتؤدي إلى عدم قدرته على إجراء التصرفات القانونية، واما للحكم عليه بعقوبة الجناية.

1. الجنون والعته

الجنون هو فقدان العقل تماما ومعه ينعدم التمييز، أما العته فهو اختلال العقل دون فقده، وقد سوى القانون بين المجنون والمعتوه من حيث الأهلية، فاعتبرهما عديمي الأهلية، وتقضي بذلك المادة ٤٥ مدني بقولها: “لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون”. ومتى كان المجنون والمعتوه عديمي الأهلية فإنه يحجز عليهما، ويعين على كل منهما قيم يتولى إدارة أمواله، وبالنسبة لحكم تصرفاتهما القانونية فإنه يجب التمييز بين ما يقع منهما قبل تسجيل قرار الحجر وما يقع بعد تسجيل قرار الحجر، وذلك تطبيقا لنص المادة ١١٤ التي تقضي بأنه: “١- يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر. ٢- أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها”.

  • أ. فالتصرفات التي تصدر من المجنون أو المعتوه بعد تسجيل قرار الحجر تعتبر باطلة بطلانا مطلقا، شأنها شأن تصرفات الصبي غير المميز، وذلك أيا كان نوع هذه التصرفات، أي سواء كانت نافعة نفعا محضا أو ضارة ضررا محضا أو دائرة بين النفع والضرر. والحجر يوقع على المجنون والمعتوه ويرفع عنهما وفقا للقواعد والإجراءات التي يعينها القانون (مادة ١١٢ مدني).
  • ب. أما التصرفات التي تصدر من المجنون والمعتوه قبل تسجيل قرار الحجر، فإنها في الأصل تعتبر صحيحة، ولكن تكون باطلة استثناء، إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت تعامل الغير مع المجنون أو المعتوه، أو إذا كان هذا الغير على بينة منها، ذلك أن القانون اعتبر تصرفات المجنون أو المعتوه صحيحة قبل تسجيل قرار الحجر، حماية للمتعاقد معه حسن النية، الذي قد يجهل حالته العقلية، ولكن إذا تبين أن هذه الحالة كانت شائعة أو كان المتعاقد نفسه يعلم بها، فإنه لا يكون عندئذ حسن النية ولا يكون هناك موجب لحمايته.

لكن يلاحظ هنا أن تصرفات المجنون والمعتوه تكون في الأصل صحيحة قبل تسجيل قرار الحجر حتى ولو تمت بعد صدور القرار وقبل تسجيله، ولما كان من الممكن أن يتصرف المجنون أو المعتوه في ماله في الفترة ما بين صدور القرار وتسجيله، فقد أجاز القانون تسجيل طلب الحجر، وعندئذ يترتب على تسجيله ما يترتب على تسجيل القرار نفسه من آثار، أي تعتبر تصرفات المجنون والمعتوه التي صدرت منهما بعد تسجيل طلب الحجر باطلة كالتي تصدر بعد تسجيل قرار الحجر نفسه.

2. السفه والغفلة

السفيه هو من يبذر المال وينفقه على غير مقتضى العقل والشرع، أما ذو الغفلة فهو الشخص الذي لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة، فيغبن في معاملاته لسلامة نيته وطيبة قلبه، ويعتبر السفيه وذو الغفلة ناقص الأهلية، وقد نصت على هذا المادة (٤٦) مدني بقولها: “كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها، أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون”. ويقرر القانون أن السفيه وذا الغفلة يحجر عليهما ويعين عليهما قيم لإدارة أموالهما (مادة ٦٥ من قانون الولاية على المال).

حكم التصرفات الصادرة من السفيه وذي الغفلة

أما حكم التصرفات الصادرة من السفيه وذي الغفلة، فقد بينته المادتان ١١٥ و ١١٦ مدني. وفي هذا تنص المادة ١١٥ على ما يأتي: ” ١- إذا صدر تصرف من ذي الغفلة أو من السفيه بعد تسجيل قرار الحجر سرى على التصرف ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام. ٢- أما التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلا أو قابلا للإبطال، إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ”. أما المادة ١١٦ فتنص على أنه: ” ١- يكون تصرف المحجور عليه لسفه أو غفلة بالوقف أو بالوصية صحيحا، متى أذنته المحكمة في ذلك. ٢- وتكون أعمال الإدارة الصادرة من المحجور عليه لسفه، المأذون له بتسلم أمواله، صحيحة في الحدود التي رسمها القانون”؛ ومن نص هاتين المادتين نستطيع أن نستنتج قاعدة عامة بشأن تصرفات السفيه وذي الغفلة والاستثناءات التي ترد عليها.

القاعدة العامة في حكم تصرفات السفيه وذي الغفلة

لمعرفة حكم تصرفات السفيه وذي الغفلة يجب أن نميز بين التصرفات التي تصدر قبل تسجيل قرار الحجر والتصرفات التي تصدر بعد قرار الحجر.

  • أ. فالتصرفات التي تصدر منهما قبل تسجيل قرار الحجر تكون صحيحة، أيا كان نوع هذه التصرفات، أي سواء كانت نافعة نفعا محضا أو ضارة ضررا محضا أو دائرة بين النفع والضرر، ولكن يشترط لصحتها ألا تكون قد صدرت نتيجة استغلال المتعاقد مع السفيه أو ذي الغفلة لحالة السفه أو الغفلة أو نتيجة تواطؤ بين هذا المتعاقد وبين أيهما، فقد يتوقع السفيه وذو الغفلة قرب صدور قرار حجر عليه، فيعمد إلى التصرف في أمواله قبل صدور هذا القرار.
  • ب. أما التصرفات التي تصدر منهما بعد تسجيل قرار الحجر فإنها تأخذ حكم تصرفات الصبي المميز فتكون باطلة بطلانا مطلقا إذا كانت ضارة ضررا محضا، وتكون صحيحة إذا كانت نافعة نفعا محضا، أما إذا كانت دائرة بين النفع والضرر، فانها تكون قابلة للإبطال، وعلى ذلك يكون للسفيه وذي الغفلة أن يطلب إبطال هذه التصرفات بعد رفع الحجر عنهما، كما يجوز للقيم أن يطلب هذا الإبطال حتى قبل رفع قرار الحجر، كما أنه يجوز تصحيح هذا التصرف بأن يجيزه القيم أو المحجوز عليه بعد رفع الحجر.

لكن يلاحظ أنه يجوز تسجيل طلب الحجر، وعندئذ تأخذ التصرفات الصادرة بعد تسجيل قرار الحجر وقبل تسجيل قرار الحجر الحكم نفسه، أي تعتبر كما لو كانت صادرة بعد تسجيل قرار الحجر، وذلك أن السفيه أو ذا الغفلة عندما يعلم أن هناك طلب للحجر عليه قد يعمد إلى التصرف في أمواله قبل أن يصدر قرار الحجر فعلا ويسجل، ولمواجهة هذا الاحتمال تقرر أن يقوم تسجيل طلب الحجر مقام تسجيل قرار الحجر نفسه في هذا الصدد.

الاستثناءات علي حكم تصرفات السفيه وذي الغفلة

خروجا على الأحكام السابقة، فان المشرع اعتبر السفيه وذا الغفلة كاملي الأهلية بشأن نوعين من التصرفات القانونية:

  • أ. يجوز للسفيه وذي الغفلة أن يوقف ماله أو يوصي به متى أذنت المحكمة في ذلك.
  • ب. إذا أذن للسفيه أو ذي الغفلة بتسلم أمواله لإدارتها، فان أعمال الإدارة المتعلقة بهذه الأموال تكون صحيحة في الحدود التي رسمها القانون.

3. العاهة الجسمانية

قد يصاب الإنسان بعاهة جسمانية لا تؤثر على تمييزه، وانما على قدرته على مباشرة التصرفات القانونية، نظرا لصعوبة إلمامه بما حوله من أمور ووقائع، وهذه العاهة قد تكون الصمم أو البكم أو العمى، وقد تكون عجزا جسمانيا شديدا، كالشلل في لسانه، ففي هذه الحالات قرر القانون أنه يجوز للمحكمة أن تعين له مساعد يعاونه في إبرام التصرفات القانونية؛ وقد تضمنت أحكام ذي العاهة المادة ١/١١٧ مدني التي أضيف إليها حكم آخر بمقتضى المادة ٧٠ من المرسوم بقانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٥٢ بأحكام الولاية على المال التي تقضي بأنه:

“إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات المنصوص عليها في المادة ٣٩. ويجوز لها ذلك أيضا إذا كان يخشى من انفراد الشخص بمباشرة التصرفات في ماله بسبب عجز جسماني شديد”؛ وينتج من نص المادتين السابقتين أنه لكي يعتبر الشخص ذا عاهة، ولكي يجوز تعيين مساعد قضائي له، يشترط أن تكون لديه عاهتان من ثلاث هي: الصم والبكم والعمى، أو يكون مصابا بعجز جسماني شديد، وهذا تقرره المحكمة، ومثاله شلل في لسانه يجعل من العسير تفهم ألفاظه.

وعلاوة على ذلك يشترط أن تؤدي العاهتان أو العجز الجسماني الشديد إلى التأثير على أهليته، أي على قدرته على مباشرة التصرفات القانونية بتعذر التعبير عن إرادته، كالأصم والأبكم، فاذا كان ذو العاهتين قادرا على التعبير عن إرادته بأي وسيلة كأن كان قد تعلم تعليما خاصا يؤهله لذلك، فان المساعدة القضائية لا تقرر لانتفاء الداعي.

حكم تصرفات ذي العاهة

بينت المادة ٢/١١٧ مدني حكم تصرفات ذي العاهة بقولها: “ويكون قابلا للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها، متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائيا بغير معاونة المساعد، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار المساعدة”، وعلى ذلك فإنه تجب التفرقة بين التصرفات الصادرة قبل تسجيل قرار المساعدة القضائية والتصرفات الصادرة بعد تسجيله.

  1. إذا صدر التصرف من ذي العاهة قبل تسجيل قرار المساعدة القضائية، فإنه يكون صحيحا، أيا كان نوع التصرف، أي سواء كان نافعا نفعا محضا أو ضارا ضررا محضا، أو دائرا بين النفع والضرر، فقبل تسجيل قرار المساعدة، يعتبر ذو العاهة الجسمانية كامل الأهلية.
  2. أما التصرفات الصادرة من ذي العاهة بعد تسجيل قرار المساعدة القضائية، فانها تكون قابلة للإبطال إذا انفرد بمباشرتها ذو العاهة دون مشاركة المساعد القضائي، لكن يشترط أن تكون من الأعمال التي عينتها المادة ٣٩ من قانون الولاية على المال، ومن أمثلتها نقل ملكية الأموال العقارية، وحوالة الحق، وحوالة الدين، واقتراض المال وإقراضه، فهذه المادة ذكرت التصرفات التي لا يستطيع ذو العاهة مباشرتها دون مساعدة قضائية؛ ويترتب على ذلك أن ذا العاهة لو انفرد بمباشرة تصرف معين بعد تسجيل قرار المساعدة، وكان هذا التصرف غير وارد في التعداد الذي ورد في المادة ٣٩ فان هذا التصرف يكون صحيحا وليس قابلاً للإبطال/ على أنه يجدر التنبيه إلى أن قرار المساعدة القضائية لا يؤدي إلى أن يباشر المساعد القضائي التصرفات القضائية نيابة عن ذي العاهة، كما هو الحال بالنسبة للولي أو الوصي، وإنما هو يشاركه في إبرام التصرفات، وبالتالي فلا يكون التصرف صحيحا إلا إذا صدر من الاثنين معا.

4. الحكم بعقوبة جناية

تقضي المادة ٢٥ من قانون العقوبات بأن من حكم عليه بعقوبة جناية لا يجوز له أن يتولى إدارة أمواله مدة اعتقاله، ويعين قيما لهذه الإدارة تقره المحكمة، فإذا لم يعينه عينته المحكمة المدنية التابع لها محل إقامته بناء على طلب النيابة العمومية أو ذي مصلحة في ذلك، وكذلك تقرر هذه المادة أن المحكوم عليه لا يجوز أن ينصرف في أمواله إلا بناء على إذن من المحكمة المدنية التابع لها محل إقامته، وكل التزام يتعهد به المحكوم عليه، مع عدم مراعاة هذا الإذن، يكون باطلا بطلانا مطلقا.

ومن هذا يتبين أن المحكوم عليه بعقوبة جناية يفقد أهليته نتيجة هذا الحكم، وفقد الأهلية هنا ليس راجعا لانعدام التمييز، وإنما هو فقد أهلية بحكم القانون؛ ويعتبر المحكوم عليه فاقد الأهلية بالنسبة لجميع تصرفاته القانونية التي يباشرها بدون إذن المحكمة، لأن هذه عقوبة تبعية يوقعها عليه القانون.

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *