مفهوم الدولة في الإسلام – الإسلام والدولة الدينية

في هذه المقالة تناولنا مفهوم الدولة في الإسلام من أكثر من زاوية، ففي البداية قمنا بتوضيح تعريف الدولة، ثم وضحنا المقصود بمصطلح الدولة الحديثة ومصطلح الدولة فى الإسلام، ووضحنا هل مصطلح الخلافة مساوي لمصطلح الدولة الحديثة، ثم وضحنا تعريف الثيوقراطية (الدولة الدينية)، وبالطبع وضحنا تعريف الدولة المدنية، وتعريف العلمانية، والمقصود بالفقه والشرع، والشريعة، والشورى، دور الفقهاء وعلماء الدين، ومشاكل نظام الحكم الاسلامي، وأشياء كثيرة أخري؛ فهذه المقالة شاملة انصحك بقرائتها بتمعن.

تعريف الدولة

توجد تعريفات كثيرة جدا للدولة ولا يوجد تعريف واحد متفق عليه، ويرى الفقيه السويسرى “بلتشيلى” أن الدولة هى جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة واخرى محكومة، ويعرف بطرس غالى الدولة بانها مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دانمة فى إقليم معين وتسيطر عليهم هينة منظمة استقر الناس على تسميتها بالحكومة، ويرى إبراهيم درويش بأن الدولة هى جماعة من المواطنين الذين يشغلون إقليماً محدد المعالم ومستقلا عن اى سلطان خارجى ويقوم عليه نظام سياسى له حق الطاعة والولاء من قبل الجماعة او على الأقل من اغلبيتهم.

ومن خلال استعراض المفاهيم السابقة للدولة يمكن القول بأن الدولة تعنى ذلك الشخص المعنوى الذى يرمز إلى مجموع شعب مستقر على إقليم معين حكاماً ومحكومين بحيث يكون لهذا الشخص المعنوى سلطة سياسية ذات سيادة.

مقالة ذات صلة: الدولة – تعريف الدولة واركان الدولة ووظيفتها

مصطلح الدولة الحديثة

الدولة الحديثة هي دولة يكون جميع المواطنين فيها سواء أمام القانون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ولا يوجد اي تمييز بينهم على اساس الدين او اللون او الجنس والدولة الحديثة يكون فيها رجال الدين والعسكريين ليس لديهم سلطات إضافية او يوجد ما يميزيهم في نظر القانون عن بقية المواطنين؛ والدولة الحديثة هي دولة الفصل بين السلطات الثلاث السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، والدولة الحديثة يكون أساس اختيار السلطة التشريعية ممثلة فى الهيئات البرلمانية والسلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء من الشعب بانتخابات حرة نزيهة، أما القضاء يفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وهو حامي الدستور عن طريق المحكمة الدستورية العليا او مجلس القضاء الأعلي.  

ويحدد الدستور الذي يوافق عليه الشعب فى انتخابات نزيهة فى الدولة الحديثة كيفية اختيار القضاة وخصوصا قضاة المحكة العليا او مجلس القضاء الأعلي – يختلف الاسم من بلد لأخر- وفى الدول الحديثة يتم تعيين قضاة المحكمة العليا او مجلس الأعلى للقضاء عن طريق السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية او عن طريق السلطتين معاً، وعند حدوث اى خلاف علي فهم الدستور او تفسيره او حدود كل سلطة من السلطات الثلاث السابق توضيحها بالأعلى يتم اللجوء الي المحكمة الدستورية العليا او مجلس القضاء الأعلي.

فالدولة الحديثة هي دولة المؤسسات ودولة الفصل بين السلطات وهي دولة سيادة القانون وهي دولة تقوم على أساس المساواة والمواطنة حيث لا يشترط فيمن يتولى اي منصب أن يكون رجلا أو أمرأة، أو من أصحاب دين معين، او من توجه سياسي معين.

مصطلح الدولة فى الإسلام

كلمة دولة فى اللغة العربية مشتقة من فعل الدوران والتعاقب أي التداول ويؤيد ذلك المعنى قوله تعالى: “وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” (آل عمران، آية 140)، بمعنى أن الأسر الحاكمة تتداول الحكم فيما بينها، فمصطلح الدولة فى الإسلام يدل علي حاكم او مجموعة حكام (غالبا من أسرة واحدة) يتداولون الحكم فيما بينهم مثل الدولة الأموية والدولة العباسية ودولة هارون الرشيد؛

ويرى المفكر المغربي عبد المجيد الصغير في كتابه “المعرفة والسلطة في التجربة الإسلامية” أن وصف كثير من الملوك والسلاطين أنفسهم بألقاب ربطوها بالدولة مثل معز الدولة، عضد الدولة، ناصر الدولة، ركن الدولة، فخر الدولة، نظام الدولة، ولي الدولة، عماد الدولة، سيف الدولة، معين الدولة وأمين الدولة الخ، يشير إلى أن لفظ الدولة هنا يرتبط بالقوة وبالقهر وبالشوكة أكثر من ارتباطه بالأمة أو الجماعة أو وحدة النظام والإدارة.

والفكر الإسلامي  لم يربط الأرض بشعب معين له روابط ثقافية وجغرافية متشابهة ولكن كان التقسيم العام للأرض إلى “دار إسلام” و”دار حرب”؛ ومع دخول مصطلح دولة بالمعنى الحديث في اللسان العربي لم يجد له خلفية فقهية لأن الفقه الإسلامي يقوم على فكرة وحدة “الدولة” التي تحكم العالم الإسلامي كله أي الخلافة. 

هل مصطلح الخلافة مساوي لمصطلح الدولة الحديثة

وليس معلوما على وجه التحديد من الذي وضع مصطلح خليفة لأبي بكر الصديق، إلا أن اختيار المصطلح لم يكن من قبيل الصدفة لأن دلالته في الذهنية الإسلامية آنذاك مرتبطة بخلافة الإنسان (آدم) لله على الأرض حيث قال تعالى: “إني جاعل في الأرض خليفة” (البقرة، آية 30)، ومن ثم اكتسب المفهوم ظلالا دينية في وقت مبكر، ولم ننظر للخليفة على أنه خليفة لرسول الله فقط بل خليفة لله أيضاً- رغم رفض أبي بكر لهذا الوصف، إلا أن عثمان بن عفان استخدمه في حق نفسه (الطبري تاريخ الامم والملوك ج4) – وأدى ذلك إلى ربط المفهوم بالعصمة عند الشيعة وكمال الصفات عند السنة.

ومما يتعارض مع تأسيس المسلمين لدولة وطنية بالمعنى الحديث ربطهم للخلافة بالوعد الإلهي بالاستخلاف، حيث يعتقدون أنهم موعودون بحكم الكون قاطبة، انطلاقا من قوله تعالى: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الآرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا”(اننور، آية 55)، ويلاحظ هنا أن، كلمة “لأرض” لا تفسر غالباً بمكة بحيث يفهم من الوعد أن المهاجرين الذين طردوا من موطنهم الاصلي بمكة سيعودون إليها من باب إعادة الحقوق لأصحابها، ولكنها تفسر بالعالم والكون أجمع؛ “انظر تفسير الآية في جامع البيان للطبري، وفي ظلال القرآن لسيد قطب”.

 ومن ثم ينتظر المسلمون تحقيق هذا الوعد مما يعوق التفكير في نظرية سياسية واقعية لإدارة شأنهم السياسي الحالي، عملا بمقتضيات الواقع الراهن الذي يفرض مفهوم الدولة الوطنية، وعندما نتكلم عن الخلافة الاسلامية يجب ان نتذكر قول الشهرستاني:- “وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان”.  فلم يكن الصراع في بدايته دينيا بل سياسيا بحتا حول الخلافة، أي السلطة والحكم ثم وظف الدين كمحاولة لتدعيم المواقف المتعارضة، وهو أحد أسباب ظهور الفرق الكلامية التي اكتست بثوب عقائدي يخفي وراءه جدال سياساً وصراعاً ملتهباً.

والخلافة كنظام حكم ليست اختراعاً إسلاميا، فهي تساوي فكرة الإمبراطورية التي كانت سائدة في بداية الإسلام ممثلة في الإمبراطورية الرومانية، ومن ثم عرف المسلمون الفكرة مبكراً، وأخذوها وطبقوها ومنحوها اسما عربيا إسلاميا هو الخلافة، وكان هذا النموذج مناسبا ومتوافقا مع طبيعة الحكم في تلك العصور؛ وبالحديث عن الامبراطورية يحضرني قول عبد الرحمن ابن ابي بكر عندما أراد معاوية بن أبي سفيان أخذ البيعة لولده يزيد، فقال عبد الرحمن:  “والله ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل، ما لأبي بكر لم يستخلفني؟ وما لعمر لم يستخلف عبد الله؟”

مقالة ذات صلة: مفهوم الدولة في الإسلام – الإسلام والدولة الدينية

تعريف الثيوقراطية – الدولة الدينية

الثيوقراطية تعني حكم رجال الدين او حكم الكهنة او حكومة دينية، أصل كلمة “ثيوقراطية” يعود إلى القرن السابع عشر من الكلمة اليونانية Theokratia؛ وثيو Theo هي كلمة يونانية تعني “الإله”، وقراط cracy تعني “الحكم”. وفي الممارسة العملية، يشير المصطلح إلى حكومة تديرها سلطات دينية تدعي سلطة غير محدودة باسم الله أو قوى خارقة للطبيعة؛ وكثير من قادة الحكومات، بمن فيهم البعض في الولايات المتحدة، يطلبون المساعدة من الله أو يقولون انهم يطيعون إرادة الله؛ وهذا لا يجعل الحكومة حكومة دينية، على الأقل في الممارسة العملية.

فالحكومة هي حكومة ثيوقراطية عندما يعتقد المشرعون أن القادة يحكمون الشعب بسبب إرادة الله وأن القوانين تكتب وتنفذ على أساس هذا الاعتقاد. ملحوظة:- كل شيء بإرادة الله عز وجل ولكن المقصود هو ان الحكام يجعلون انفسهم وسطاء بين الله والشعب او ابناء الهة او نصف اله او اي شيء لا يعطي لبشر عادي او ما شابه.

وفي دولة ثيوقراطية، جميع القوانين والأنظمة المعمول بها تنشأ عن القواعد التي وضعها دين معين وإله هذا الدين او مجموعة آلهة؛ وغالبا ما يعامل الكتاب المقدس الديني بوصفه رسالة من الإله ويتم استخدامه في وضع قواعد المجتمع، وغالبا ما تدار الثيوقراطية من قبل مجموعة من الشخصيات الدينية الذين يدعون السلطة السياسية في اسم هذا الإله او الآلهة، وهؤلاء الأفراد يقوموا بتفسير آيات من هذا الكتاب المقدس لأغراض سياسية، مدعيا أنها طاعة وإنفاذ لإرادة الإله؛ وفي حالات أخرى، يعُتقد أن مسؤولين حكوميين هم من أحفاد هذه الآلهة.

مقالة ذات صلة: الثيوقراطية – تعريفها وسماتها ومزاياها وعيوبها وأمثلة عليها

الدولة المدنية

تتعدد أسماء الدولة التي ترد في الخطاب السياسي الإسلامي: الدولة الدينية، دولة الخلافة، الدولة الإسلامية، الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، ويعد تعدد الأسماء دليلا على عدم وضوح المسمى، وعلي لجوء خطاب الإسلامي السياسي إلى خلق توصيفات وأسماء للشيء قبل وجوده، مع أن المنطق يفترض تشكل الظاهرة ثم وضع توصيف لها يعكس مكوناتها، كما تستخدم غالبية الكتابات مصطلح “دولة مدنية”، مع أنه لا وجود له في العلوم السياسية التي لا تعرف غير مصطلح “المجتمع المدني” وهو مجموعة المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التي تُظهر مصالح وإرادة المواطنين عن طريق الانشطة التي تمارسها وهذة المنظمات تكون مستقلة عن الحكومة.

ومع أن كلمة مدنية أيضا ليست عربية، لا نشأة ولا ثقافة، لأنها نتجت في العموم من كتابات رفاعة الطهطاوي واضع مصطلح “الحقوق المدنية”، ومحمد عبده في تأكيده علي مدنية السلطة في الإسلام وأن الخليفة حاكم مدني، والكاتب رفيق العظم في”البيان في التمدن وأسباب العمران”.

تعريف الدولة المدنية 

توجد تعريفات ومعاني متعددة للدولة المدنية Civil State ومن بينها ان الدولة متمدنة متحضرة ومن ضمن المعاني المقصودة أيضاً بالدولة المدنية أنها ليست عسكرية؛ وغالبا يكون المقصود هو فصل الدين عن الدولة بمعني ان الدولة المدنية المقصود منها هو الدولة العلمانية، والدولة المدنية هي الدولة المبنية علي أسس ديمقراطية، ويتم تداول السلطة فيها بشكل سلمي يقوم على الانتخاب والتفويض، وجميع المواطنون متساوين  بصرف النظر عن الدين، أو اللغة، فلا أحد فيها فوق القانون، ويُنظر حتى إلى رجال الدين وأفراد الجيش كمواطنين عاديين لا يملكون أية سلطات إضافية في الحكم أو التشريع.

وللعلم مصطلح الدولة المدنية غير موجود فى كتب علم السياسة الأجنبية والموجود فقط هو المجتمع المدني والدولة العلمانية، اما من يتكلم عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية فهو مصطلح ليس عليه انفاق قى التعريف ولا فى حدود المرجعية ولا فى الجهة التي سيتم العودة اليها عند الاختلاف فى تفسير الدين وانصحك بالعودة الي هذة المقالة المنفصلة بعنوان الدولة المدنية – تعريفها ومقوماتها وعلاقتها بالعلمانية

الشريعة

يفرق الفقهاء عادة بين مجالين للشريعة: العبادات الثابتة، والمعاملات المتغيرة، ويضاف إلى مجال العبادات الثابتة القيم الدينية والأخلاقية الخالدة ومنها العقائد وأركان الإسلام الخمسة، بينما يدرج تحت المعاملات المتغيرة الأمور الدنيوية السياسية والعلمية؛ وبعكس العبادات التي لا يعلم حكمة كيفيتها إلا الله تعالى، ترجع الحكمة في الأمور الدنيوية السياسية إلى تجارب العقل البشري وتفاعله مع احتياجاته وما يحقق المصلحة حسب ظرفي الزمان والمكان المتغيرين، وكل ذلك يجعل نقل السلطة التشريعية في الأمور الدنيوية للإنسان ضرورة منطقية وحتمية، وفي هذا الصدد يطالب السنهوري بإحداث مفاهيم جديدة تتماهى مع العبادات والمعاملات مثل القانون الإسلامي وقصر الشريعة على العبادات.

معنى الشريعة إذن هو الدين، أي التوحيد والانقياد لإله واحد، والشريعة هنا تعني الأحكام التعبدية التي يقوم بها الدين، أنما الجانب المعاملاتي الدنيوي السياسي فهو محل اجتهاد الإنسان يصوغه بالكيفية التي تحقق له المصلحة الدنيوية حسب قانوني الزمان والمكان، بمعنى أن الجزء الخاص بالعقيدة والعبادات من الشريعة ذو طابع ديني، تنظمه نصوص الكتتاب والسنة، 

الفقه والشرع

تمثل العلاقة المتداخلة بين الشريعة والفقه عقبة كؤود في تحديد ماهية كل منهما، وتبدو التفرقة بينهما يسيرة على المستوى النظري، حيث تعرف الشريعة بأنها الأحكام الإلهية المنزلة في كتابه العزيز، ونظرا لأنها إلهية المصدر فهي ثابتة لا تقبل التغيير، في حين أن الفقه هو الاجتهاد البشري في النص الثابت، أي أن الفقه بشري ومن ثم متغير، ولكن على المستوى التطبيقي وفي الممارسة التاريخية نجد تداخلا كبيرا بين الشريعة والفقه نظرا لأن الشريعة ليست مقننة في مواد ولا مدونة في كتاب واحد، وما ورد في القرآن من حدود لا يمثل إلا 2% من الشريعة بمفهومها الشامل، ثم يضاف إليها أنصبة المواريث، ما عدا ذلك فجل الشريعة مستنبط من النص القرآني والسنة النبوية عبر إعمال العقل البشري فيهما.

وحتى الحدود كان للعقل البشري الفقهي دور فيها، من حيث بيان شروط تطبيقها وكيفيته ومجالات تقييده، وهذا يعني أن الرأي البشري يتحول إلى جزء من الشريعة، مما يجعل وصف الشريعة في عمومها بأنها إلهية وثابتة غير مطابق للواقع، وبناء على ذلك يكون للعقل البشري سلطة كبيرة في التشريع، لأنه هو المسؤول عن تكييف النص الإلهي المتناهي مع الواقع غير المتناهي، وهذا يحل إشكالية جواز وصف الإنسان بالمشرع، لأنه قام بالتشريع بالفعل عبر الفتاوى التي يعمل بها كجزء من الشريعة.

الشورى

وردت الشورى في القرآن مقترنة بمصطلح “الأمر”، وهو التوصيف القرآني للحكم بدليل الأمر بطاعة أولي الأمر وقوله تعالى: “وأمرهم شورى بينهم”، وبما أن القرآن لم ينص على شكل معين للأمر أي للحكم، وجعل الأمر شورى، فتنسحب الشورى أيضا على التشاور في شكل الحكم نفسه، وعلى النظام الذي تتخذه جماعة من الناس لإدارة دولتها، وكان الماوردي يرى أن الأمر القرآني بالشوري “تخيير مجرد لا إلزام فيه”، وهو تأويل من الماوردي جاء في ضوء الخلافة العباسية ومشاكلها ضمن مساعيه لحمايتها وتوسيع سلطاتها.

في حين أن، جمال الدين الأفغاني في العصر الحديث، وفي ظل سياقات مختلفة، يقول بإلزامية الشورى للحاكم الذي يخضع لقانون الأمة ودستورها، ويبقى التاج على رأسه ما بقي هو محافظاً أميناً على دستور الأمة، فإن خان دستور الأمة فإما أن يبقى رأسه بلا تاج أو تاجه بلا رأس.

هذا وتؤكد شواهد التاريخ أن التجربة السياسية الإسلامية قد انحرفت عن مبدأ الشورى في الحكومة من عهد معاوية بن أبي سفيان الذي لم يعبأ برأي أهل الحل والعقد، وأسند الخلافة لنفسه، وإلى ابنه يزيد من بعده بالقوة، تلك القوة التي صارت فيما بعد هي الطريق الوحيدة للخلافة، سواء على يد العباسيين أو الفاطميين أو المماليك أو الأتراك، فضاع أصل الشورى واستحال الأمر غلبة وقهرا، ومن بعدها أصبح الحديث عن الشورى في إطار نظري فقط حول حكمها الشرعي وقيمتها الدينية دون التطرق لها كنظرية سياسية تحتاج لآليات تطبيق قواعد محددة واضحة، وفي أفضل الأحوال كانت تقارن بالانتخابات كإجراء ديمقراطي.

ومن الجدير بالذكر أن التجربة السياسية في الإسلام، رغم طولها واتساعها الجغرافي، لم تعرف مبادئ العدل والإنصاف وحسن التدبير والسياسية، ويؤكد ذلك أن الفترات التي اشتهرت بالعدل وتعرف بالخلافة الراشدة، على تباين فيما بينها، قليلة لدرجة معرفة الصغار والكبار بها واستدعاؤها دون غيرها على الدوام؛ كما يلاحظ أن، قضية العدل كانت مرتبطة بشخص الحاكم نفسه وصفاته، أي كانت باطنية مرتبطة بمفهوم التقوى رغم أنه مفهوم غير ظاهر ومحله القلب ويصعب إثباته بالصفات الشكلية، وهذا يتعارض حسب رأي عبد الكريم سروش (كتاب الدين العلماني) مع مفهوم العدل الخارجي طبقاً للنظريات السياسية الحديثة التي تفرض على الحاكم قيودا ورقابة خارجية تحول بينه وبين الانحراف عن العدل حتى إن أراد ذلك.

دور الفقهاء وعلماء الدين 

يرى برنارد لويس فى كتاب لغة الإسلام السياسى بحق الآية القرآنية: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» (النساء، آية 59) قد شكلت عبر التفسير والممارسة نقطة انطلاق جل الفكر السياسي الإسلامي.

ويرجع دمج علماء الدين لانفسهم في تفسير عبارة”أولي الآمر” الواجب طاعتهم إلى انفراد الدين قديما مصدراً للمعرفة، مما أدى بالتبعية إلى تفرد علماء الدين بالمعرفة أيضا، لان، المرجعية الإسلامية في العقيدة والشريعة لا تعود إلى مؤسسات بل إلى نصوص وبالأخص القرآن والسنة، ومن هنا ببرز دور علماء الدين في تفسيرهم للنص، وصاروا نظرا لكونهم مصدرا للمعرفة أصحاب نفوذ روحي ومجتمعي داخل الدولة، مما حتم على صاحب السلطة الحقيقي (ولي الأمر) التعامل معهم من منطلق الحاجة إلى إضفاء الشرعية الدينية لحكمه، فكانت علاقته بهم تقوم على الترغيب والترهيب والتقريب والتعذيب.

أما وقد تعددت مصادر المعرفة خاصة بعد ظهور العلوم الطبيعية ونظرياتها وكذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية وبخاصة السياسية منها فلم يعد مقبولا أن يمارس علماء الدين الدور نفسه الذي كانوا يمارسونه من قبل، وبات متعارضاً مع مفهوم دولة القانون التي يحكمها دستور جامع بل ومقوضا لها أن يفتي رجل الدين في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالشأن السياسي منطلقا من خلفية دينية عقائدية لا تعرف غير الحق المطلق، مما يحدث بلبلة فكرية وتعددية متنافرة في المرجعيات تفضي حتما إلى الصراع بدلا من السلم المجتمعي الذي يمثل هدف أي نظام للحكم.

وفي حين يرفض الإسلاميون مصطلح الدولة الدينية بحجة أن رجال الدين (الإكليروس) متحكمون فيها وليس للدولة أن تقطع أمرأ دونهم، فهم في الوقت نفسه يدرجون علماء الدين ضمن أولي الأمر الواجب طاعتهم، ولا يستثنون أمرا واحدا في شؤون الدولة لا ينبغي أن يعرض على علماء الدين لبيان حكمه من حيث الحل والحرمة، ومن ثم لن تقطع “الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية” التي ينادون بها أمرا دون موافقة رجال الدين، أي أنهم يرفضون دولة الإكليروس اسما لما توحي به من ظلال سيئة، بينما هم فعلياً ينشدون مضمون هذه الدولة الدينية، ومن ثم تبقى القضية قضية أسماء وتوصيفات شأنها شأن كثير من القضايا.

وكثيرا ما يستشهد علماء الدين بقوله تعالى “إن الحكم إلا لله” على أن مصدر القانون الذي يجب أن يحكم الأرض هو الله تعالى عبر قرآنه الكريم نافين بذلك أن يكون الحكم للناس، إلا أن التحليل العملي لهذا الاستشهاد يؤكد أنهم يهدفون بذلك إلى أن يكون الحكم بيدهم هم أنفسهم فقط، لأن القرآن لم يحدد نظاماً معيناً للحكم، كما أن إشاراته لبعض الجزئيات في الحكم قليلة جداً ولا تفي بقيام دولة، فضلا على أن آيات أحكامه تحتاج غالباً إلى تفسير وتأويل انطلاقاً من مقولة علي بن أبي طالب الخالدة:  “إن القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال”.

وهذا التفسير يحتكره هؤلاء العلماء مما يضفي على رأيهم عصمة ما لأنهم يدعون أن ذلك حكم الله، مع أنه في الحقيقة حكمهم هم وفهمهم هم، ثم ماذا يكون العمل عند اختلاف الأفهام حول النص الواحد؟؛ وفيما يتعلق بمقولة إن الإسلام يتعلق بكل جوانب الحياة فهو في رأيي تعلق ضميري وجداني لا إداري تنظيمي، بحيث يكون هناك وازع داخل كل إنسان مؤمن بأنه سيحاسب على كل فعل يأتيه، ليس فقط أمام المؤسسات الرقابية في الدنيا بل أمام الحكم العدل يوم القيامة.

طاعة ولي الأمر في تاريخ الخلافة الاسلامية

وجب الفقهاء الطاعة لولي الأمر في كل الأحوال، ولإ يرتفع هذا الوجوب في نظرهم إلإ إذا أمر الحاكم بما يخالف شرع الله، وبالنظر إلى الواقع العملي نجد أنهم قصروا شرع الله على العبادات مثل الصلاة والصيام والحج بحيث لو أمر الحاكم بعدم إقامة الصلاة فلا طاعة له أما إذا كانت سياسته ظالمة كلها فلا تسقط طاعته طالما أنه يصلي ويصوم، ولم يكن الحاكم بهذا الغباء الذي يجعله يأمر بمنع الصلاة بل على العكس من ذلك استغل هذا الشرط لمصلحته حيث اتخذ جل الخلفاء والحكام من تعظيم شعائر الدين ذريعة لتوطيد سلطانهم ومظهرالكسب تأييد الجمهور.

وهكذا نجد الفقهاء دون أن يدروا قد ساهموا في إضفاء طابع علماني مبكر على نظام الحكم في التجربة السياسية الإسلامية بفصلهم بين العبادات من جانب وبين التنظيمات السياسية والإدارية من جانب آخر؛ وهذا يوحي بقصر مفهوم الدين والشرع على العبادات التي يجب مراعاتها ولا يمكن تغييرها أو التفريط. فيها، ولا تكون الطاعة فيها إلا للشرع، وبين القانون والمجال السياسي المتروك للقائمين على الأمر يتغير بحسب الزمان والمكان ولا تجب الطاعة فيه إلا له.

مشاكل نظام الحكم الاسلامي

  1. لا توجد طريقة محددة واضحة يتم اختيار خليفة المسلمين بها، فنجد مثلاً ان الخلفاء الراشدين ثم اختيارهم بطرق مختلفة عن بعضهم.
  2. مدة حكم خليفة المسلمين غير محددة وغير واضحة.
  3. مهام وسلطات خليفة المسلمين غير محددة وغير واضحة. 
  4. طرق محاسبة وعزل خليفة المسلمين فى حالة خيانته للأمانة مثلاً غير محددة.
  5. دفع الجزية بالنسبة للمواطنين المسيحيين، ففى الدولة الحديثة هم مواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات مع المسلمين أمام القانون، ويدافعون عن الوطن ضد كل معتدي ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل رفعة الوطن واستقلال أراضيه. وللأسف نجد طيور الظلام ضد فكرة المواطنة والدولة الحديثة باعتبار ان عدد المسلمين أغلبية ولا يعترفون بحقوق الاقليات، مع انهم لو ذهبوا للملكة المتحدة او امريكا مثلا ستجد ان عدد المسلمين اقلية ويتم معاملة المسلمين كمواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات كغيرهم وتجد مسلمين من الاقليات يصبحون في الجهات التشريعية كإلهان عمر ورشيدة طليب فى الكونجرس الأمريكي.
  6. المرأة وهل هي كالرجل امام القانون لها نفس الحقوق والواجبات؛  فمثلا هل ترث المرأة كالرجل؟، هل للمرأة حرية السفر والتحرك دون اذن الرجل؟، وحقوق المرأة والاسلام يوجد فيها من الاختلاف والنقاش ما يجعلني لا اطيل في هذه النقطة الآن وربما اضع لها مقالة منفصلة مستقبلا.
  7. الحق فى الإيمان والكفر؛ فى الدول الحديثة لك مطلق الحرية فى ان تكفر باي دين وتؤمن باي دين وان ترتد عن دينك وان تلحد او تتجه لدين آخر، وفي الدولة الدينية هذة النقطة بها نقاش طويل واشكاليات اهمها هل للفرد الحرية فى الاعتقاد وتغيير دينه ام يصبح منافق ويستمر على دينه خوفا من تطبيق حد الردة.

الاربع مشاكل الأولي ما هي إلا مشاكل فى هيكل الدولة فقط والمشاكل الاخري هي مشاكل توضح تعارض الدولة الدينية في الإسلام مع الدولة الحديثة؛ وتوجد اشكاليات أخرى بين الدولة الحديثة والدولة الدينية فى الاسلام قد يجعل هذه المقالة طويلة جدا ولذلك سنكتفي بهذا القدر فى هذة الجزئية.

الدولة الحديثة والعلمانية

الدولة الحديثة هي دولة علمانية بطبعها، وعلمانية الدولة لا تعني علمانية المجتمع، وان كان فى الفكر العربي الحالي يوجد خلط بين مفهوم الدولة الحديثة والدولة المدنية كما وضحناه فى هذة المقالة، فلو كان مفهوم الدولة المدنية المقصود به مفهوم الدولة الحديثة فالدولة المدنية علمانية بالطبع.

تعريف العلمانية

العلمانية مشتقة من العالمية بمعني حكم العالم نفسه بنفسه دون تدخل السماء، اما فى اللغة الإنجليزية Secularism تعني الادينية او الدنيوية؛ والعلمانية هي فصل الدين عن الدولة  (السياسة) وان تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان والأفكار، والعلمانية لا تعني الإلحاد او إجبار الأفراد على عدم التدين ولكن معناها ان التدين والإلحاد شأن خاص بالفرد ولا يجوز للدولة أن تتبنى وجهة نظر دينية او أن تجبر الأفراد على ممارسة الشعائر الدينية او عدم ممارستها ولا يجوز ان يحصل مواطن على معاملة خاصة بسبب اعتناقه دين معين أو فكرة معينة فالجميع متساوون امام القانون.

مقالة ذات صلة: العلمانية – تعريفها ونشأتها ومبادئها وأنواعها وأمثلة عليها

الإسلام والعلمانية

ولما كان الدين بوصفه مقدسا لا يقبل بطبعه التجزئة أو التنازل عن بعضه فمن الصعب دمجه في التفاوض السياسي الذي يستلزم المراوغة حينا والتنازل عن شيء وربما أشياء أحيانا أخرى، وهو ما يلتقي مع جوهر العملية السياسية التي تقوم على فن الممكن، وتحتم التنازل عن بعض المصالح والأهداف الخاصة بغية تحقيق المصالح المشتركة والأهداف الجامعة وصولاً إلى أعلى قدر من الاستقرار والسلم المجتمعي.

وبعد ما شاهدناه فيما يعرف بالربيع العربي من توترات وانقسامات، وحروب أهلية بسبب التمذهب، والانتصار للرأي الديني الواحد، واستغلال الدين من قبل الأحزاب الإسلامية وسيلة لامتلاك السلطة، وما يرتبط بذلك من أهداف سياسية يوظف الدين فيها باعثاً على التقاتل والتناحر، بعد ذلك كله لم يعد مقنعاً ذلك الادعاء بأن الغرب احتاج للعلمنة نظرا لممارسات الكنيسة، وما ترتب عليها من حروب دينية طاحنة، أما العالم الإسلامي قليس في حاجة لهذه العلمنة لأنه لم يمر بالتجربة نفسها.

المصدر: الدولة في الإسلام

فى النهاية اخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *