نظام الحكم في بريطانيا – الدستور والملك والبرلمان

في هذه المقالة وضحنا كل شئ عن نظام الحكم في بريطانيا، ففي البداية وضحنا ما هو دستور المملكة المتحدة، ثم وضحنا مهام العرش (الملكة أو الملك)، وقمنا بالتعريف بالبرلمان البريطاني، ووضحنا صلاحيات مجلسيه بالتفصيل، مجلس العموم ومجلس اللوردات؛ وبالطبع لم يفوتنا ان نطلع القارئ علي المجلس الملكي الخاص.

دستور المملكة المتحدة

المملكة المتحدة التي تتألف من إنجلترا وإسكتلندا وويلز وشمال إيرلندا هي دولة ذات نظام حكم ملكي دستوري برلماني، ودستور هذه الدولة الموحدة من أربعة بلدان لم يدرج في وثيقة دستورية مترابطة السياقات، بل إنه يتألف مما يلي:

  • سلسلة من وثائق تاريخية (بما فيها Magna Carta Libertatum الصادرة عام 1215م.، Petition of Rights عام 1628م، Habeas Corpus Act الصادر عام 1679م، Bill of Rights الصادر عام 1689 م، Act of Settlement الصادر عام 1701م، Parliament Act الصادر عام 1911 و1949م.
  • اتفاقيات محددة في الشؤون الدستورية Constitutional Convention، وهي التي تطال بشكل رئيسي أحكام العملية السياسية لصنع القرارات، وكذلك العلاقة بين البرلمان والحكومة والعرش.
  • القانون التشريعي Statute Law، بما يعني تلك القوانين والتوجيهات الصادرة من قبل البرلمان.
  • القانون العرفي Common Law الذي يفل مرتبة عن القوانين التشريعية والذي يستند إلى التقاليد، بالإضافة إلى قانون السوابق القضائية Case Law، وكذلك  مذاهب التفكير التي تمثلها بعض المرجعيات المشهود بجدارتها في مجال القانون الدستوري.

وتكمن خصوصية الدستور البريطاني في إمكانية نفي اعتباره دستورا في حالة التشدد في التقييم، ولا يعود سبب هذا الطرح إلى انعدام تدوينه في وثيقة خالية من الترابط في السياقات فحسب، بل إلى إمكانية تغيير المعايير في هذا الدستور بدون تشكيل صعوبات بأية طريقة، مقارنة بتغيير معايير قانونية أخرى؛ فمن الممكن أن يغير أو (يعدل) الدستور البريطاني في كل وقت، بناء على أصوات أغلبية برلمانية عادية، ولا يستثنى في ذلك بخصوص تغيير مضامينه سوى مبدأ سيادة القانون rule of law (ارتباط كافة الممارسات بالقوانين)، كما ينطبق على هذا الاستثناء أيضا مبدأ سيادة البرلمان، ذو الأهمية الجوهرية في نظام الحكم البريطاني.

مقالة ذات صلة: دولة القانون – مفهوم دولة القانون ومبادئها ومرتكزاتها وضماناتها
مقالة ذات صلة: النظام البرلماني – تعريفه و خصائصه ومميزاته وعيوبه

مهام العرش (الملكة أو الملك)

تنحصر مهام العرش (الملكة أو الملك) بصفته الرسمية رئيسا للدولة على المراسم الاحتفالية والتمثيلية تقريبا، وعلى ما هو متعلق بالاندماج السياسي والاجتماعي؛ وتتم التعيينات الملكية (للوزراء وموظفي الحكومة) بناء على الاقتراح المقدم من قبل رئيس مجلس الوزراء (ومن الناحية العملية استنادا إلى توجيهاته)، وهو الذي يقوم بتأليف خطاب العرش، الذي يلقيه رئيس الدولة (الملك أو الملكة) سنويا بمناسبة افتتاح أعمال البرلمان، وتطلق على هذا الخطاب تسمية البيان الحكومي؛ وعلى الملك أو الملكة تعيين رئيس الحزب الذي فاز بأغلبية الأصوات في انتخابات مجلس العموم رئيسا لمجلس الوزراء، الذي يقوم بتأدية وظائف الحكم المركزية في نطاق النظام السياسي.

المجلس الملكي الخاص

وإلى جانب مجلسي العموم واللوردات فإن هناك مجلسا سريا للتاج البريطاني، وهو المجلس الملكي الخاص (الذي تطلق عليه تسمية Privy council)؛ و يتمتع بعضويته جميع أعضاء الحكومة سواء السابقين أو المستمرين في أداء مهامهم، وأساقفة كانتربري ويورك، وأربعة وعشرين أسقفا للكنيسة الرسمية في انجلترا established church of England، والناطق باسم مجلس العموم، وقانونيون (قضاة) من مجلس اللوردات Law Lords. ويصدر المجلس السري هذا مراسيم ملكية Orders in Council متمتعة بقوة القوانين، وتعد لجنته القانونية منذ عام 1833م بمثابة محكمة استئناف لمناطق السيادة البريطانية وراء البحار (في أنغيلا وبرمودا وجبل طارق على سبيل المثال).

مقالة ذات صلة: نظام الحكم في ألمانيا – الدستور والرئيس الاتحادي والحكومة
مقالة ذات صلة: نظام الحكم فى سويسرا: الديمقراطية المباشرة، والبرلمان والحكومة والانتخابات

البرلمان البريطاني

يتألف البرلمان البريطاني من مجلس اللوردات House of Lords وآخر للعموم House of Common، ومجلس العموم هو المهيمن، ففيه تتمتع الحكومة بدورها ممثلة برئيس مجلس الوزراء بمكانة قوية جدا، مقارنة بدور الحكومات فى نطاق نظم حكم ديمقراطية أخرى؛ ولهذا فإن الناس يتحدثون عن حكومة رئيس مجلس الوزراء Prime-ministerial government، حينما يتطرقون إلى موضوع نظام الحكم البريطاني.

مجلس اللوردات

بلغ عدد أعضائه 724 عضوا (في شهر تشرين الأول عام 2010 م) ويتمحور الأمر بالنسبة إلى أغلبية هذا العدد (أي إلى 606 من مجموع الأعضاء) حول أعضاء رفع العرش منزلتهم الاجتماعية بالاستناد إلى اقتراح تقدمت به الحكومة، ليصبحوا نبلاء عمريين Life Peers، بمعنى احتفاظهم بلقب اللورد حتى نهاية عمرهم دون توريثه لأبنائهم؛ وبعد انتهاء الجولة الأولى من الإصلاحات البرلمانية 1999 م بلغ عدد اللوردات الممتنعين باللقب وراثيا Hereditary Peers من المنضمين إلى المجلس 92 عضوا.

ويتخذ لوردات الفئتين المذكورتين كليهما صفة اللوردات المؤقتين Lords Temporal، ويضم مجلس اللوردات في عضويته 24 أسقفا من الكنيسة الانجليكانية، طيلة مدة شغلهم المنصب الديني في كنيستهم، وتطلق عليهم تسمية اللوردات الروحيين Spiritual Lords.

إن حق مجلس اللوردات في المشاركة في التشريع محدود جدا، ولكن المجلس يتمتع مع ذلك بحق المبادرة في طرح مشاريع سن القوانين، أما حقه في النقض فيتيح له تعطيل القوانين التي قرر مجلس العموم إصدارها، لمدة سنة على أبعد تقدير؛ ولقد منح هذا المجلس حق اعتباره المرجعية الفضائية النهائية في عملية التشريع، إلا أن هذا الاعتبار أصبح منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2009 من حق المحكمة العليا Supreme Court التي تم تأسيسها حديثا آنذاك، وتعد هذه المحكمة بمثابة المرجعية النهائية بخصوص القضايا المدنية، في كافة أنحاء المملكة المتحدة، وهي لا تتمتع بنفس الوضع بخصوص القضايا الجنائية إلا في إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية، أما في إسكوتلندا فإن هذه القضايا هي من صلاحيات محكمة العدل العليا High Court Of Justiciary.

ويبلغ عدد أعضاء المحكمة العليا في المملكة المتحدة اثني عشر قاضيا، وهم المستفطبون حتى الآن من القضاة في مجلس اللوردات، الذين يحتفظون بعضويتهم في المجلس، بدون أن يتمتعوا بحق التصويت؛ ويعين القضاة الدستوريون لكي يمارسوا مهامهم بشكل دائم، على أن يتم إعفاؤهم حينما يبلغون سن السبعين عاما من أعمارهم، أما من يخلفهم من القضاة فلا يتمتعون بعضوية مجلس اللوردات، وبهذا فإن الفصل البديهي في الدول الديموقراطية بين السلطتين التنفيذية والقضائية يكون في تلك الحالة قد أنجز في المملكة المتحدة أيضا.

مقالة ذات صلة: نظام الحكم فى فرنسا – التشريع و الرئيس والبرلمان
مقالة ذات صلة: نظام الحكم في أمريكا – المبادئ الدستورية والرئيس والكونجرس

مجلس العموم

إن المجلس التشريعي الفعلي هو مجلس العموم الذي بلغ عدد أعضائه 650 نائبا (عام 2010 م)، بعد أن فازوا بمقاعدهم البرلمانية لمدة خمسة أعوام على أبعد تقرير، بموجب قانون الانتخابات النسبية التي تحسم بالأغلبية؛ ويواكب المبدأ الدستوري المركزي المتضمن سيادة البرلمان في نطاق النظام السياسي للمملكة المتحدة تداخل بين السلطات، أو ذوبانها في بعضها البعض؛ فسيادة البرلمان تعني سيادة مجلس العموم (سلطة تشريعية)، وبالتالي السيادة الخاصة بالحكومة (سلطة تنفيذية). ولا يتيح النظام البرلماني المنعكس من النموذج النيابي البريطاني وجود ثقل تشريعي مقابل لمجلس العموم أو الحكومة، مع التمتع بقوة كافية لعرقلة السياسة الحكومية، إذا اقتضى الأمر ذلك:

  • فليست هناك محكمة دستورية لتشكل مرجعية لمراقبة الهيئة التنفيذية.
  • ولا يتم فصل عمودي مابين السلطات (الثلاث)؛ فلا ترتبط الحكومة البريطانية بأية قيود تجاه مناطق الدولة، بينما تلتزم الحكومات الفيدرالية كحكومة ألمانيا الاتحادية مثلاً بمراعاة مصالح واهتمام الولايات التي تشكل الدولة الفيدرالية.
  • لا يتمتع مجلس اللوردات إلا بحق النقض الذي يعني تأجيل القرارات غير المرغوب فيها لمدة سنة على أبعد تقدير (وليست للمجلس أية إمكانية للاعتراض في حالة إصدار قوانين مالية) ويستطيع مجلس العموم استنادا إلى الأغلبية التي يتمتع بها أن يتخذ قرارا بإصدار القوانين التي رفضها مجلس اللوردات، وذلك بعد مضي سنة على الرفض، ودون الحاجة إلى إجراء مشاورات جديدة مع المجلس الثاني للبرلمان البريطاني.
  • وبالإضافة إلى ذلك فإن نظام الانتخابات المستند إلى الأغلبية يحتم في جميع الحالات الاعتيادية الدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة، وفي غالب الأحيان تتحول أقلية الأصوات إلى أغلبية مطلقة للمقاعد البرلمانية .

ولا يجوز انتخاب أفراد من بعض الفئات ليتمتعوا بعضوية مجلس العموم، إذ يستثنى من الانتخاب لهذه العضوية أعضاء الكنيستين البروتستانتية والمشيخية ورجال الدين من الكنيسة الكاثوليكية وموظفو الوزارات والشرطة والعسكريون المحترفون أو القضاة. 

ومن البديهي أن تكون وظيفة الرقابة البرلمانية من شأن المعارضة بشكل رئيسي، غير أن إمكانياتها الرقابية محدودة للغاية في مجلس العموم البريطاني، الذي يعد برلمانا خطابيا؛ فلا تتخذ الحكومة فيه القرار بشأن تحديد مدة خطابات النواب فحسب، بل إنها تقوم بشكل رئيسي يإعداد جدول أعمال البرلمان أيضا (مع مراعاة الاستثناء المتعلق بما تطلق عليه تسمية أيام المعارضة العشرين)، تلك المعارضة التي يجب عليها بصورة جوهرية الاكتفاء بطلب مواجهة الحكومة في البرلمان، عبر تساؤلات شفوية أو خطية وكذلك من خلال النقاش، لكي تظهر للناخبين بأنها تشكل بديلاً أفضل لحكم لبلاد.

يوم المعارضة هو يوم في الهيئة التشريعية باستخدام نظام وستمنستر ( قصر وستمنستر، مقر البرلمان البريطاني) الذي يحدد فيه حزب المعارضة جدول الأعمال، ومعظم الأيام تضع الحكومة جدول الأعمال للبرلمان؛ وتتيح أيام المعارضة لللأطراف الأصغر اختيار موضوع للنقاش، وفي المملكة المتحدة، هناك عشرون أيام معارضة لكل دورة برلمانية، لا تعتبر نتائج الأصوات في يوم المعارضة ملزمة قانونا، رغم أنها تمثل إرادة البرلمان.

مقالة ذات صلة: اختصاصات وتقاليد مجلس العموم البريطاني ومجلس اللوردات
مقالة ذات صلة: الفرق بين انجلترا والمملكة المتحدة وبريطانيا

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *