نظرية العقد الاجتماعى – أبرز مفكريها ومزاياها ونقدها

نظرية العقد الاجتماعي هي أحد النظريات المفسرة لنشأة الدولة، ولذلك في هذه المقالة قمنا بتوضح مفهوم الدولة، ثم وضحنا تعريف الدولة، ثم شرحنا نظرية العقد الاجتماعي، وبالطبع وضحنا آراء أبرز مفكريها مثل توماس هيز، وجون لوك، وجان جاك روسو، ووضحنا مزايا نظرية العقد الاجتماعى ونقدها.

مفهوم الدولة

اختلف علماء الفقه والقانون فى وضع تعريف موحد للدولة ويرجع هذا الاختلاف إلى التباين فى وضع المعايير التى تبرز صفة الدولة لجماعة معينة، وقد نتج عن هذا الاختلاف تعدد المفاهيم للدولة، ورغم هذا الاختلاف فى المفاهيم والصياغة إلا ان معظم هذه التعريفات تتفق فى مجملها على الأركان الأساسية للدولة.

حيث يرى بعض فقهاء القانون أن الدولة وفقاً للمعنى اللغوى لا تخرج عن كونها جماعة منظمة ترتبط بروابط اجتماعية وقومية مشتركة، وذلك وفقاً للمعنى الشامل، أما الدولة فى معناها الضيق فتعنى السلطات العامة وما يصاحبها من علاقات سواء بينها أو بين الحكام والمحكومين، بينما يرى البعض الآخر أن الدولة يمكن تعريفها من خلال أركانها الأساسية بأنها ظاهرة سياسية وقانونية تعنى جماعة من الناس يقطنون رقعة جغرافية معينة بصفة دائمة ومستقرة ويخضعون لنظام سياسى.

تعريف الدولة

يرى الفقيه السويسرى “بلتشيلى” أن الدولة هى جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة واخرى محكومة؛ ةبينما يعرف الفقيه الفرنسى “كاري دى وليبر” الدولة بأنها مجموعة من الأفراد مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة فى مواجهة الأفراد سلطة عليا آمرة وقاهرة؛ ويعرفها “أسمان” بأنها التشخيص القانونى لأمة ما، ويرى الرئيس الأمريكى الأسبق، “ويلسون ” ان الدولة هى شعب منظم خاضع للقانون يقطن ارضاً معينة.

ويعرف العميد “دوجى” الدولة على أنها عبارة عن جماعة من الناس الاجتماعيين بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة، بينما ينظر “فوشيه” للدولة على أنها مجموعة دائمة مستقلة من الأفراد يملكون إقليماً معيناً، وتضمهم سلطة مشتركة منظمة بغرض ان تكفل لأفرادها الحماية ولكل منهم التمتع بحريته ومباشرة حقوقه؛ ويعرفها “ديفو” بأنها مجموعة من الأفراد مستقرة فى إقليم محدد وتخضع لسلطة صاحبة سيادة مكلفة ان تحقق صالح المجموعة ملتزمة فى ذلك بمبادئ معينة؛ ويعرفها محسن العبودى بأنها تعنى مجموعة من الناس تقطن على وجه الاستقرار إقليما معيناً، وتخضع لسلطة سياسية تدير شئونها بهدف تحقيق أغراض سياسية واجتماعية واقتصادية محددة سلفاً.

ويعرف بطرس غالى الدولة بانها مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة فى إقليم معين وتسيطر عليهم هينة منظمة استقر الناس على تسميتها بالحكومة؛ ويرى إبراهيم درويش بأن الدولة هى جماعة من المواطنين الذين يشغلون إقليماً محدد المعالم ومستقلا عن اى سلطان خارجى ويقوم عليه نظام سياسى له حق الطاعة والولاء من قبل الجماعة او على الأقل من اغلبيتهم. ومن خلال استعراض المفاهيم السابقة للدولة يمكن القول بأن الدولة تعني ذلك الشخص المعنوى الذى يرمز إلى مجموع شعب مستقر على إقليم معين حكاماً ومحكومين بحيث يكون لهذا الشخص المعنوى سلطة سياسية ذات سيادة.

مقالة ذات صلة: أشكال الدول وانواعها بالتفصيل

أركان الدولة

هناك ثلاثة أركان رئيسية أو عناصر مهمة لابد من توافرها لكى تكتسب المجتمعات السياسية صفة الدولة وهى:

  1. شعب: وهم جموع الأفراد المواطنين فى الدولة.
  2. إقليم: وهو رقعة معلومة ومحددة من الأرض يعيش فيها الشعب وتشمل ما يعلوها من أجواء وما يخيط بها من مجال بحرى إقليمى.
  3. سلطة: وتعبر عن إرادة الدولة وتتجسد فى نظام سياسى له حكومة تمثل او تعكس الشخصية الاعتبارية للدولة فى علاقاتها وتعاملها مع الأفراد فى الداخل ومع الدول الأخرى فى الخارج. 

مقالة ذات صلة: الدولة – تعريف الدولة وأركان الدولة ووظيفتها

النظريات المفسرة لنشاة الدولة

تعددت محاولات تفسير أصل الدولة، وكيف نشات، وأخذت هذه المحاولات اتجاهات فكرية مختلفة تتناول ظاهرتى الدولة والمجتمع كل من منظور خاص، عقائدى، طبيعى، إرادى، تاريخى حيث ينظر الاتجاه العقائدى إلى الدولة بصفتها نظاماً مقدساً صنعه الله بإرادته لتنظيم حياة العباد على الأرض، بينما يرى الاتجاه الطبيعى أن الدولة هى بمئابة ظواهر طبيعية تنشاً تلقائياً شأن الظواهر والماديات الموجودة فى الطبيعة والتى أدركها الإنسان بعقله، ويميل الاتجاه الإرادى إلى أن الدولة ليست ظاهرة طبيعية بل هى ظاهرة من صنع الإنسان وإرادته لتنظيم معيشته، ويرجع الاتجاه التاريخى نشاة الدولة إلى نتاج لمراحل التطور التاريخى. وقد تبلورت تلك الاتجاهات الفكرية المرتبطة بمسالة نشاة الدولة إلى عدة نظريات مهمة فى هذا المجال سوف نتناولها على لنحو التالى:

  • النظريات الدينية (التيوقراطية).
  • نظرية التطور العائلى.
  • نظرية العقد الاجتماعى.
  • نظرية القوة والغلبة.
  • نظرية التطور التاريخى.

مقالة ذات صلة: مفهوم الدولة ونشأة الدولة والنظريات المفسرة لها

نظرية العقد الاجتماعى

تقف نظرية العقد الإجتماعى فى مقدمة النظريات الخاصة بنشاة الدولة من وجهة نظر كثير من كتاب وفلاسفة الفكر السياسى، بل إنهم يرجعون التنظيم السياسى الحديث وسيادة مبادئ الديمقراطية الحديثة إلى هذه النظرية؛ وتقوم نظرية العقد الاجتماعى من حيث المبدأ على افتراضين: الأول هو مايتناول حالة الفطرة الأولى، والثانى يدور حول فكرة العقد سواء أكان هذا العقد اجتماعى أو سياسى يتضح عن طريقه تكون السجتسع السياسى ونشأته، وقد يكون هذا العقد بين الحاكم والمحكومين فيسمى عقداً حكومياً.

ويفترض أصحاب نظرية العقد الاجتماعى أن حالة الفطرة هى حالة سابقة على تكوين المجتمع السياسى، ويعتبر القانون الطبيعى هو الذى كان يقوم بعملية تنظيم المجتمع فى هذه المرحلة، وقد تعددت وتباينت الأراء حول العقد الاجتماعي فمنهم من اعتبره حقيقة تاريخية يفسر الكتاب عن طريقها نشأة المجتمع، ومنهم من يعتبره عقداً أو اتفاقاً بين الحكام والمحكومين فضلاً عن اعتباره أساساً ملائماً لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحكام والمحكومين.

فجوهر نظرية العقد الاجتماعى يدور حول تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم للحاكم فى مقابل تمتعهم بما يوفره المجتمع، وقد شهدت هذه النظرية عصرها الذهبي فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وكان اعتناق هذه النظرية والإيمان بها من أسباب قيام الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، فهذه النظرية أعطت الأفراد حقوقاً سابقة على وجود الدولة، ومنذ الوهلة الأولى أثبتت نظرية الفطرة الأولى أن حقوق الفرد مادامت سابقة لوجود الدولة فإنه لا يمكن للأخيرة ان تنتزع حقوق الأفراد الذين يعيشون فيها، وقد حققت هذه النظرية الكثير من اهدافها من حيث تأكيد حقوق الأفراد وعدم تمكين أى حكومة أو أى ملك من القضاء عليها أو تكييفها حسب المشيئة فتسببت هذه النظرية فى إنهيار السلطة المطلقة للملوك والحكومات.

ويمثل كل من توماس هيز، وجون لوك، وجان جاك روسو، أهم مفكري نظرية العقد الاجتماعي Social Contract؛ فقد تركوا تراثاً فكرياً وسياسياً لا يستهان به بصدد هذه النظرية خاصة فى مجال التنظيم السياسى والاجتماعى للدولة الحديثة.

أ. توماس هيز

تبلورت نظرية “هوبز عن تنظيم المجتمع فى مؤلفه المهم Leviathan التنين أو العملاق، الذى وضعه ليدافع عن وجهة نظره فى حق الملك فى الحكم المطلق، فى مواجهة الدعوة إلى سيادة البرلمان فى انجلترا.

فقد نادى “هوبز” بان أصل وجود الجماعة المنظمة إنما يرجع إلى العقد، فالعقد هو الذى نقل الفرد من حالته الفطرية الطبيعية إلى مجتمع منظم تسود فيه طبقة محكومة واخرى حاكمة، وقد تصور “هوبز” ان الحالة الفطرية الأولى سادها الكثير من البؤس والكفاح، فحالة الأفراد الفطرية تتصف بالفوضى، لأن الإنسان انانى محب لذاته ولا يراعى إلا صالحه الخاص ولذلك عمل القوى على اغتصاب الضعيف، وفى هذا المناخ الممتلئ بكل أسباب الفوضى والصراع والأنانية والشر نشاً الدافع الذى حرك الأفراد نحو الانتقال إلى حياة أفضل مستقرة، وكان السبيل إلى ذلك هو العقد.

وهكذا عقد الأفراد عقدا انتقلوا بواسطته من حالتهم الفوضوية الأولى إلى حالة المجتمع المنظم، فالعقد أساس هذا الانتقال وبالتالى هو الذي أوجد الجماعة المنظمة التى نعم فيها الأفراد بحياة مستقرة، وفى رأى “هوبز” أن الحاكم لم يكن طرفاً فى هذا العقد، وإنما تم العقد بين الأفراد وحدهم، ومن هنا فإنه عند اختيار الحاكم، يتنازل الأفراد له عن جميع حقوقهم الطبيعية التى كانت لهم فى حالة الفطرة حتى يتمكنوا من العيش فى المجتمع المنظم الذى أرادوا هم إقامته.

وتتمتع السلطة الحاكمة عند “هوبز” بسلطة مطلقة لا حدود لها ولا يحق بالتالى مخالفة هذه السلطة مهما استبدت وتعسفت، وكان “هوبز” متأثراً فى ذلك بالفترة التى عاشتها انجلترا خلال حياته والتى تميزت بالقلاقل والاضطراب مما كان لها اثرها البالغ على تفكيره خاصة وانه كان يعمل معلماً للأمير شارل استيوارت الذى اصبح ملكاً، وهذا كان له اثر على مطالبة “هوبز” وتأييده لسلطان الملك المطلق مع عدم إجازة محاسبته بواسطة الشعب.

ب. جون لوك

يتفق “جون لوك “مع “هوبز” فى أن أصل وجود الجماعة المنظمة إنما يرجع إلى العقد الذى نقل الأفراد من حالتهم الطبيعية الأولى إلى المجتمع المنظم الذى تسود فيه سلطة حاكمة، وأخرى محكومة، ولكن يختلف “لوك” عن “هوبز” فى تصوره لحالة الفطرة فهى فى نظره لم تكن فوضى وبؤس وشرور بل كان يرفرف عليها الحرية والمساواة والعدل بين الأفراد فى ظل القانون الطبيعى وما دفعهم إلى هجر حالتهم الفطرية هو الرغبة فى تنظيمها وهى مالم يكن ليتحقق إلا بالانتقال إلى المجتمع.

فقد رفض المفكر الانجليزى جون لوك الفكر الاستبدادى لهوبز، حيث رأى لوك أن سلطة الأفراد على أنفسهم تعد بمثابة خصائص طبيعية لصيقة بصفة الآدمية فى الإنسان، ومن ثم فهى لا تقبل بطبيعتها التصرف فيها ولا النزول عنها، وعلى ذلك فإن العقد الإجتماعى لم ينقل إلى الأمير سلطة الأفراد على انفسهم ولكنه فوضه فى ممارسة هذه السلطة على ان يكون محكوماً فى ذلك بشروط التفويض بحيث لو اجل بهذه الشروط حق للأفراد سحب التفويض منه.

ج. جان جاك روسو

وقد اعاد المفكر الفرنسى جان جاك روسو صياغة نظرية العقد الاجتماعى من جديد فى كتابة العقد الاجتماعى عام ١٧٦٢، حيث تقوم تلك الصياغة على أن السيادة التى هى حق طبيعى للأفراد وتقبل التصرف فيها والنزول عنها و لم تنتقل بموجب العقد إلى الأمير، حيث لم يكن فى العقد أمير، فالناس احرار ومتساوون بالطبيعة، لكنها انتقلت من الناس بذاتهم كافراد إليهم إلى مجموعهم ككيان جماعى جديد مستقبلا ومتميزاً عنهم كافراد، ومن ثم يصبح جمهور الأفراد فى الدولة هم اصحاب السيادة، وأن الإرادة العامة لمجموع الأفراد هى المنشأة للقانون الواجب الاتباع.

مزايا نظرية العقد الاجتماعى

أدت نظرية العقد الاجتماعى دوراً كبيراً فى تطور الفكر السياسى والمجتمعات السياسية حيث مهدت الطريق لضرورة تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين على أسس موضوعية، كما كان لهذه النظرية الفضل فى إقرار كثير من مبادئ النظرية الديمقراطية مثل الإرادة الشعبية، وتقرير الحرية السياسية وسيادة القانون، ورقابة المحكومين علي الحكومة، حيث يمكن القول بشكل عام ان الكثير من الدول التى أخذت بمبدأ المساواة بين الأفراد فى الحقوق السياسية وبالأخص حق الانتخاب كانت متأثرة بنظرية جان جاك روسو.

مقالة ذات صلة: الحكومة: تعريفها، مهامها، أشكالها، الفرق بين الدولة والحكومة

نقد نظرية العقد الاجتماعى

رغم أهمية هذه النظرية فى تفسير نشأة الدولة إلا أنه قد وجهت لها العديد من العيوب والانتقادات والتى تتمثل فى الآتى:

  1. إن فكرة العقد التي تعتبر أساس نشأة الجماعة المنظمة فكرة خيالية لا سند لها من الواقع ابتدعها قائلوها من نسيج أفكارهم وخيالهم حيث لم يعطى التاريخ مثالاً واحداً واقعياً بأن جماعة من الجماعات قد نشأت وقامت بواسطة العقد.
  2. إن فكرة العقد ذاتها كأساس لنشأة الجماعة المنظمة هى فكرة غير سليمة من الناحية القانونية وذلك لأن فكرة القوة الإلزامية للعقد لا توجد إلا بوجود الجماعة وقيام سلطة بها تحمى العقود وتطبيق الجزاءات اللازمة لضمان احترامها، وعلى ذلك فلا يمكن ان يكون العقد الذي يحتاج إلى حماية السلطة العامة هو الذى أنشأ السلطة وأقامها.
  3. تفترض تلك النظرية أن الإنسان كان يعيش فى حالة عزلة قبل ان تنشأ الجماعة وهو قول غير صحيح، لأن الإنسان كائن اجتماعى بطبيعته لا يطيق حياة العزلة وقد نشأ وعاش دائماً فى جماعة.
  4. تفترض تلك النظرية بأن الأفراد كانوا متساوين فى حالة الفطرة الأولى وهذا الافتراض غير صحيح.

مقالة ذات صلة: الديمقراطية: تعريفها، أهميتها، أنواعها، مبادئها، مميزاتها ،عيوبها

المصادر

  • مدخل الي علم السياسة، فوزي عبد الغني، دار النهضة العربية.
  • محمود إسماعيل: المدخل إلى العلوم السياسية، مطبعة العشرى، القاهرة ٢٠٠٦.
  • فوزي أبو دياب: المفاهيم الحديثة للأنظمة والحياة السياسية (بيروت: دار النهضة العربية، ١٩٧١).
  • عاطف أحمد فؤاد: علم الاجتماع السياسى (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، ١٩٩٥) .
  • عبد الغفار رشاد: قضايا نظرية فى السياسة المقارنة، مركز البحوث والنرلسات السياسية، جامعة القاهرة ١٩٩٣.
  • حامد عبد الله ربيع: نظرية التحليل السياسى (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديئة، ١٩٧١.

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *