تطبيق القانون من حيث المكان – مبدأ إقليمية وشخصية القانون

في هذه المقالة نقوم في البداية بتعريف القانون، ثم نقوم بإلقاء نظرة سريعة على مصادر القانون، ثم نقوم بتوضيح المقصود بتطبيق القانون من حيث المكان بالتفصيل، حيث قمنا بتوضيح المقصود بمبدأ إقليمية القانون ومبدأ شخصية القانون، ثم نجيب علس سؤال مهم وهو:- هل نعتمد على مبدأ مبدأ إقليمية القانون أم مبدأ شخصية القانون؟، ثم نختم بتحديد الاستثناءات على مبدأ إقليمية القوانين في مصر.

تعريف القانون

درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.

غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.

مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه

خصائص القاعدة القانونية

ويمكننا أن نخلص من التعريف السابق للقانون بأن القاعدة القانونية تتميز بخصائص ثلاث:-

  1. قاعدة عامة ومجردة
  2. قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.
  3. قاعدة مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف.

مقالة ذات صلة: خصائص القاعدة القانونية – شرح بالتفصيل والأمثلة

مصادر القانون

المصادر الأصلية للقانون

  1. التشريع
  2. مبادئ الشريعة الإسلامية . بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية فقط.

المصادر الاحتياطية للقانون

  1. العرف.
  2. مبادئ الشريعة الإسلامية.
  3. مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

مقالة ذات صلة: مصادر القانون – المصادر المادية والتاريخية والرسمية للقانون

تطبيق القانون من حيث المكان

إن تناولنا لمسألة نطاق تطبيق القانون من حيث المكان لم يكن ليكتسب أدنى أهمية لو أننا افترضنا أن كل دولة تعيش منعزلة تماماً عن غيرها من دول العالم، بمعنى أن يقتصر أفراد كل دولة على العيش داخل حدودها دون خروج أي منهم إلى دولة أخرى. إذ في مثل هذا الفرض سيطبق القانون تطبيقاً إقليمياً على كل الأشخاص الموجودين داخل إقليم الدولة بحكم كونهم مواطنين بها.

لكن الحقيقة أن مثل هذا الفرض ما هو إلا محض خيال نظري، لأن ازدهار حركة التجارة العالمية وانتشار الوسائل الحديثة للمواصلات ساعد على وجود العديد من الأشخاص النين يقيمون خارج دولهم، سواء كانت إقامتهم لفترات قصيرة أو لفترات طويلة الأجل، وهؤلاء الأشخاص يدخلون في علاقات مع رعايا الدول التي يقيمون فيها؛ وهنا تثور مسألة تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث المكان، وبالتالي يثور التساؤل الآتي : هل يطبق القانون تطبيقاً إقليمياً على كل المقيمين على أرض الدولة سواء وطنين أو أجانب، أم يقتصر تطبيق القانون على الوطنيين فحسب، ام هل يطبق علي الوطنيين أينما وجدوا، حتى ولو كانوا يقيمون في دولة أخرى؟. 

الإجابة عن هذا التساؤل تتوقف على معرفة ما إذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ إقليمية القانون، أم أنها تأخذ بمبدأ شخصية القانون؛ الأمر الذي يدفعنا نحو التعرف على هذين المبدأين، قبل أن نبحث في موقف القانون المصري من هذه المسألة.

مقالة ذات صلة: تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان – مبدأ إقليمية القانون الجنائي

أولاً:- مبدأ إقليمية القانون

يقوم مبدأ إقليمية القانون على أساس أن القانون لا يجاوز في تطبيقه حدود الدولة، فهو يطبق على كل المقيمين على إقليمها من وطنيين أو أجانب، ولكنه لا يطبق على من يوجدون خارج هذا الإقليم حتى ولو كانوا من الوطنيين؛ ويستند مبدأ إقليمية القانون على فكرة سيادة الدولة على إقليمها، حيث تتمسك كل دولة بتطبيق قوانينها على كل من يوجد على إقليمها لتضمن بذلك أمن واستقرار المجتمع؛ ولا يتنصر تطبيق مبدأ إقليمية القانون على بعض فروع القانون دون البعض الآخر، بل أنه يمتد إلى مختلف هذه الفروع.

فمثلاُ في القانون الدستوري، الأصل أن الأجانب يتمتعون بذات الحقوق التي يتمتع بها الوطنيون، كما يلتزمون بذات الواجبات التي يلتزم بها الوطنيون؛ وفي القانون الجنائي، سنجد أن الأصل هو سريان أحكام قانون العقوبات على كل من يرتكب جريمة داخل إقليم الدولة يستوي أن يكون وطنياً أو أجنبياُ؛ وأيضاً في إطار القانون المالي، نلاحظ أن الأعباء الضريبية تقع على -بحسب الأصل- عاتق كل من يمارس نشاطاً في الدولة سواء كان وطنياًً أم أجنبياً، وهكذا الحال بالنسبة لسائر فروع القانون .

مقالة ذات صلة: تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان – الأثر الفوري والرجعي لنص التجريم

ثانياً:- مبدأ شخصية القانون

أما مبدأ شخصية القانون فيقوم على أساس أن قانون الدولة يسري على رعاياها أينما كانوا، إذ يحمل كل منهم قانونه على ظهره أينما حل بعد رحيله من الوطن؛ فوفقاًً لهذا المبدأ يطبق القانون على الوطنيين بغض النظر عن أماكن تواجدهم، أي سواء كانوا يقيمون داخل حدود الدولة أو خارجها.

وإذا كان مبدأ إقليمية القانون يستند على فكرة سيادة الدولة على إقليمها، فإن مبدأ شخصية الدولة يستند أيضاً على فكرة السيادة ولكن من منظور آخر، ألا وهو سيادة الدولة على رعاياها؛ ولم يكن الأمر كذلك في بادئ الأمر، حيث كان مبدأ شخصية القانون يستند على قواعد المجاملات بين الدول، إذ كانت الدولة تسمح لرعايا دولة أخري بأن يطبق عليهم قانون دولتهم لا قانونها هي، ولكن سرعان ما استند تطبيق هذا المبدأ على فكرة السيادة وعلى اعتبارات العدالة.

وأجمعت معظم النظم القانونية فى دول العالم على جواز تطبيق قوانين مسائل الأحوال الشخصية للأجنبي المقيم فى الدولة ولا يوجد في هذا ما يخل بمبدأ سيادة الدولة، ولكن يجب الاخذ فى الاعتبار ان تطبيق القانون الشخصيّ للأجنبيّ مُتوقِّف على مدى تناسبه مع النظام العام للدولة؛ فإذا حدث تعارُض بينهما، فإنّ القاضي يمتنعُ عن تطبيق القانون؛ وكذلك يرى البعض أن مما يدعم من مبدأ شخصية القانون أن القانون ذاته إنما وضع للأفراد لا للإقليم، حيث يأتي مراعياً طباعهم وعاداتهم وثقافتهم ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي، فكيف ينطبق على أشخاص آخرين لا تتوافر لهم ذات الظروف والصفات، فالأجنبي الذي يوجد على إقليم الدولة لا يرتاح إلى تطبيق قانون غير مألوف لديه.

هل نعتمد على مبدأ مبدأ إقليمية القانون أم مبدأ شخصية القانون؟

والحقيقة أنه على الرغم من قوة الأسانيد التي يعتمد عليها كل مبدأ من هذين المبدأين، إلا لا نستطيع القول بأن أحدهما هو الذي يمكن الاكتفاء به والاعتماد عليه في تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث المكان؛ فلا شك أن هذا القول من شأنه أن يؤدي إلى نتائج غير مقبولة، إذ لو تصورنا مثلا الاعتماد على مبدأ إقليمية القانون دون غيره، لأدى ذلك إلى إخضاع الشخص المقيم في دولة أجنبية لقانون هذه الدولة حتى فيما يخص المسائل المتعلقة بالزواج وبالسلطة الأبوية، ولو تصورنا -بالمقابل- الاعتماد على مبدأ شخصية القانون دون غيره، لأدى ذلك أيضاً إلى نتائج خطيرة، منها على سبيل المثال السماح لقائدي السيارات الإنجليز بالسير على يسار الطريق حتى وهم في أي دولة أخرى.

وقد تفاوت مدى الأخذ بكل من المبدأين باختلاف الدول والعصور، لكن السائد اليوم في أغلب الدول الحديثة اعتبار مبدأ إقليمية القوانين هو الأصل، ومبدأ شخصية القوانين هو الاستثناء؛ لان الدولة لا تملك سلطة فعلية حقيقية إلا على إقليمها وهي تستطيع مباشرة هذه السلطة حتى على الأجانب المقيمين فيه. ويبقى التساؤل عن موقف القانون المصري من مسألة نطاق تطبيق القانون، فهل أخذ المشرع المصري بمبدأ إقليمية القانون، أم أخذ بمبدأ شخصية القانون ؟

مقالة ذات صلة: تطبيق القانون من حيث الزمان – مبدأ رجعية القوانين

الاستثناءات على مبدأ إقليمية القوانين في مصر

لقد ساهم كل من مبدأ الإقليمية ومبدأ الشخصية بنصيب في تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث المكان، فكما هو الحال في معظم دول العالم، أخذ القانون المصري -بحسب الأصل- بمبدأ إقليمية القانون، بحيث يطبق على كل من يقيمون على أرض مصر من الوطنيين والأجانب، إلا أنه إلى جانب الأخذ بمبدأ إقليمية القانون استعان بمبدأ شخصية القانون في بعض الحالات الاستثنائية، أهمها ما يلي :

1. في إطار القانون الدستوري، سنجد أن هناك بعض الحقوق والواجبات يقررها أو يفرضها الدستور للوطنيين دون الأجانب، ومن أمثلتها الحق في الترشيح للمجالس النيابية، والحق في الانتخاب، والحق في تولي الوظائف العامة، وواجب أداء الخدمة العسكرية؛ فمثل هذه الحقوق والواجبات لا يخضع لها إلا المصريون فقط، وبالتالي فإن القواعد التي تنظمها تطبق عليهم استناداً إلى مبدأ شخصية القانون وليس استناداًً إلى مبدأ إقليمية القانون. ومما لا شك فيه أن هذا الاستثناء يستند إلى تبرير منطقي، وهو أن هناك بعض الحقوق والواجبات التي ترتبط أساساً بالولاء والانتماء إلى الوطن، ولا يفترض منحها لغير أبناء الوطن، الأمر الذي يستدعي قصرها على الوطنين دون الأجانب خروجاً على مبدأ إقليمية القانون.

2. في إطار قانون العقوبات، إذا كان الأصل – تطبيقاً لمبدأ إقليمية القانون – هو سريان قانون العقوبات على الجرائم التي ترتكب داخل القطر المصري سواء وقعت من أجانب أو مصريين، وكذلك عدم سريان قانون العقوبات على الجرائم التي ترتكب خارج القطر المصري حتى ولو كان مرتكبها مصريا، إلا أن هذا الأصل يرد عليه استثناءان يستندان إلى مبدأ شخصية القانون:

  • الاستثناء الأول يتعلق بما تقرره أحكام القانون الدولي العام لمبعوثي الدول من حصانات قضائية في حدود معينة، إذ وفقا لأحكام هذا القانون لا يطبق قانون العقوبات على الجرائم التي يرتكبها أفراد السلك الدبلوماسي أثناء تأديتهم لوظيفتهم داخل القطر المصري، وإنما يخضعون في تلك الجرائم لقوانين بلادهم ومحاكمها؛ والغرض من هذا الاستثناء هو إعطاء هؤلاء الأفراد المراكز القانونية التي تسمح لهم بالقيام بأعباء وظائفهم دون أي تدخل من جانب الحكومات الموفدين لها.
  • الاستثناء الثاني يتعلق بما يقرره قانون العقوبات المصري من امتداد تطبيقه إلى خارج حدود القطر المصري، بحيث يطبق على بعض الجرائم التي ترتكب في خارج البلاد بغض النظر عن جنسية الفاعل في تلك الجرائم بسبب تعلقها بمصالح جوهرية للدولة؛ ومن هذه الجرائم تلك الماسة بأمن الدولة وجريمة تزوير أو تزييف عملة الدولة أو عملة متداولة قانونا في الدولة.

3. كذلك في إطار القانون الدولي الخاص، سنجد أهم الاستثناءات الواردة على مبدأ إقليمية القانون، ويظهر هذا الاستثناء عند تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص التي تبين القانون الواجب التطبيق على العلاقات التي يدخل فيها العنصر الأجنبي، فقد تعين هذه القواعد قانوناً أجنبياً يطبق على وقائع حدثت في مصر، أو على أشخاص يقيمون فيها، وبالتالي نكون في هذه الحالة بصدد استثناء على مبدأ إقليمية القانون؛ وتوضيحاً لهذا الاستثناء نضرب مثالا لما نصت عليه المادة ٣ ١ / ١ من القانون المدني المصري بأن: ” يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التي يرتبها عقد الزواج، بما في ذلك من أثر بالنسبة للمال”.

ووفقاً لهذا النص، إذا ثار نزاع بين زوجين أمريكيين يقيمان في مصر حول الآثار المترتبة على عقد الزواج، فإن القانون الأمريكي هو الذي يحكم النزاع خروجاَ على مبدأ إقليمية القانون؛ وبالعكس، لو فرضنا أن زوجين مصريين يقيمان بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان القانون الأمريكي يضع نصاً مطابقا لنص المادة ٣ ١ / ١ من القانون المدني المصري، فإن النزاع الذي يثور بين هذين الزوجين -بشأن الآثار المترتبة على الزواج- يحكمه القانون المصري، على الرغم من أنهما لا يقيمان على أرض مصر، وفي ذلك أيضا خروج على مبدأ إقليمية القانون.

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات،شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *