نظرية القيمة: ماهي، تطورها

في هذه المقالة سوف نوضح في البداية ما هو مفهوم القيمة، والعلاقة بين القيمة والسعر، ثم نوضح تطور نظرية القيمة.

ما هو علم الاقتصاد؟

علم الاقتصاد هو العلم الذي يدرس القواعد المنظمة للسلوك الاقتصادي من خلال استخدام الوسائل المادية و الموارد المحدودة لإشباع الحاجات الإنسانية المتعددة. وعلي ذلك فالمشكلة الاقتصادية تتمثل في كيفية إشباع الحاجات المتزايدة باستخدام الموارد المحدودة.

مقالة ذات صلة: علم الاقتصاد: تعريفه، أهميته، فروعه، مناهجه

مفهوم القيمة

في االقتصاد فقد ميز الاقتصاديون منذ القدم بين مفهومين للقيمة;

  1. القيمة الاستعمالية; وتعني قدرة الشيء على إشباع حاجة إنسانية مباشرة عندما يستعمله الإنسان أو منفعة الشيء بالنسبة إلى من يستعمله.
  2. القيمة التبادلية; فتعني قدرة الشيء على أن يتبادل بشيء آخر أو القوة الشرائية لوحدات من السلع والخدمات أثناء مبادلتها في السوق بسلع وخدمات أخرى. ولكي تكون للسلعة قيمة تبادلية لابد أن يكون لها قيمة استعمالية، وبالمقابل يمكن أن يكون للسلعة قيمة استعمالية، دون أن تكون لها قيمة تبادلية (كسلعة الهواء).

القيمة والسعر

يُعد قانون القيمة الأساس الاقتصادي لمراحل الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك، ولا تظهر القيمة بحد ذاتها في السوق وإنما من خلال السعر الذي هو الشكل النقدي لها. والسعر يمكن أن يكون أكبر من القيمة أو أصغر منها أو مساوياً لها، ويتعلق ذلك بحجم الطلب والعرض على السلعة أو الخدمة إذ إن عدم التوافق أو التوازن بين الطلب والعرض هو ما يجعل السعر يتأرجح حول القيمة هبوطاً أو صعوداً، وعندما يرتفع الطلب مع بقاء العرض على حاله يرتفع السعر عن القيمة بينما عندما يزيد العرض عن الطلب ينخفض السعر عن القيمة، وذلك بالضبط ما يمثل قانون العرض والطلب، ولا يتساوى السعر مع القيمة إلا عندما يتوازن العرض والطلب.

تطور نظرية القيمة

أن انتاج أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات هو الهدف الذي يدور حوله النشاط الاقتصادي للإنسان، بغية الوصول إلى مستوى معيشة مرتفع، ومن خلال التخصص وتقسيم العمل بين أفراد المجتمع، يمكن تحقيق هدف زيادة الانتاج وزيادة رفاهية أفراد المجتمع.

وقد اكتشف الإنسان أن التبادل هو الخطوة المنطقية التالية للتخصص وتقسيم العمل، وقاده ذلك تلقائياً إلى البحث عن وسيلة عملية يقوم على أساسها تبادل السلع بين الأفراد، وقد توصل المجتمع البدائي إلى طريقة المقايضة لتحقيق التبادل، وذلك بأن يبادل الأفراد وحدة من السلعة (أ) مثلاً مقابل وحدتين من السلعة (ب)، إذا كانت الوحدة من السلعة (أ) تعادل في قيمتها — في اعتقادهم — وحدتين من السلعة (ب)، وأن يبادل الأفراد وحدة واحدة من السلعة (ب) مقابل ثلاث وحدات من السلعة (ج) إذا كانت الوحدة من السلعة (ب) تعادل في قيمتها — في اعتقادهم — ثلاث وحدات من السلعة (ج)، وهكذا.

ولكن بتقدم الحياة الاقتصادية وتعدد مجالات الانتاج والتبادل بدأت تتضح عيوب المقايضة كوسيلة للتبادل، وأخذ الإنسان يبحث عن وسيلة أفضل، وأخيراً استقر على اختيار سلعة يتوفر بالنسبة لها نوع من الإجماع لتقوم بدور “وسيط المبادلة”، فمع تطور المجتمعات البشرية، ظهرت النقود بأشكالها المختلفة كوسيط في عملية التبادل وكمقياس للقيمة، أي كمقياس لتحديد قيم السلع والخدمات.

ونخصص هذة المقالة لتقديم صورة مختصرة عن تطور نظرية القيمة(نظرية القيمة هي افتراض أكاديمي يحاول شرح كيفية تحديد قيمة سلعة أو خدمة ما.)، فنذكر المراحل التي مر بها تحليل مشكلة القيمة حتى وصل إلى وضعه الحديث.

أولاً: نظريات العمل ونفقه الإنتاج

أجاب آدم سميث — رائد المدرسة الكلاسيكية — التي سادت أفكارها خلال الفترة (1776 – 1850) — على سؤال القيمة — كيف يتحدد ثمن السلعة في السوق؟، ففي كتابه ثروة الأمم، والذي ظهر في سنة 1776، فيقول آدم سميث أن كمية العمل المبذول في إنتاج سلعة هو أنسب مقياس للقيمة التبادلية لهذه السلعة، فالسلعة التي يبذل في إنتاجها أسبوعان من العمل لا بد أن تعادل قيمتها ضعف قيمة السلعة التي يبذل في انتاجها أسبوع واحد، وقد ضرب آدم سميث مثله المشهور عن ذلك بالصياد الذي يصطاد حيوانات برية، وقال إن الحيوان الذي يبذل في صيده يوم واحد لا بد أن تعادل قيمته السوقية ضعف قيمة الحيوان الذي يتطلب صيده نصف يوم

وقد كان المفكر الاقتصادي ريكاردو من أكثر المؤيدين لنظرية العمل في تفسير القيمة، فهو ينسب القيمة التبادلية للسلع إلى كمية العمل المبذول في انتاجها، وقد اعترف ريكاردو بأهمية رأس المال في الانتاج، ولكي يجعل العمل مسئولاً عن انتاج السلع اعتبر رأس المال المتمثل في الآلات والأدوات عملاً مدخراً، فإذا كان لرأس المال دور هام في إنتاج السلع، فإن الفضل في إنتاج رأس المال يرجع لعنصر العمل، وعليه فهو يرى أن نفقة الانتاج تتوقف على:

  1. كمية العمل المباشر المبذول في إنتاج السلعة.
  2. نوع هذا العمل.
  3. كمية العمل المبذول في مراحل سابقة في إنتاج المعدات والآلات المستخدمة حالياً في إنتاج السلعة (أي العمل المختزن أو الغير مباشر).

وجاء كارل ماركس بعد ريكاردو واستخدم نظرية العمل للقيمة في الهجوم على النظام الرأسمالي، وقد اعتبر ماركس العمل مصدراً للقيم وكان من رأيه أن القيم النسبية للسلع تقاس بمقدار “العمل الاجتماعي” الضروري لإنتاجها. ويرى ماركس أن الرأسمالي يشترى قوة العمل الانتاجية بأجر لا يزيد عن ثمن الأشياء الضرورية اللازمة لمعيشة العامل عند حد الكفاف. ولكنه يستخدم هذه القوة الانتاجية في انتاج سلع تفوق قيمتها الأجر المدفوع في انتاجها، والفرق بين ثمن السلعة وثمن العمل المبذول في انتاجها يطلق عليه ماركس فائض القيمة الذي يمثل استغلال الرأسمالي للعمال. ويذهب هذا الفائض إلى جيب الرأسمالي في صورة أرباح وريع وفائدة، ويعتبر ماركس نظام الملكية الفردية مسئولاً عن ظاهرة فائض القيمة واستغلال العمال، فالعامل الذي لا يملك إلا قوة عملة يضطر إلى بيعها إلى الرأسمالي الذي يملك القوة الشرائية اللازمة لشراء هذه القوة المنتجة ويستخدمها في انتاج سلع تفوق في قيمتها قيمة المبذول فيها.

أن المتأمل في نظرية العمل للقيمة يمكنه أن يوجه إليها انتقادات هامة، فهي تهمل أثر الطلب في تقرير قيمة السلع. فقد يحدث مثلاً أن ينفق قدر كبير من العمل في انتاج سلعة معينة، ولكن عندما تعرض هذه السلعة في السوق لا يكون عليها طلب، ومن ثم لا تكون لها قيمة تبادلية، أضف إلى هذا أن نظرية العمل في أبسط صورها لم تأخذ في اعتبارها العناصر الأخرى التي تساهم في عملية الانتاج، وركزت فقط على عنصر العمل.

وقد تطورت نظرية العمل للقيمة على أيدي الاقتصاديين الذين جاءوا بعد آدم سميث وريكاردو أمثال سينيور وجون ستيوارت ميل الى نظرية نفقة الإنتاج. وهذه النظرية أوسع مدى و أكثر شمولاً من نظرية العمل حيث تأخذ هذه النظرية في اعتبارها كل العناصر التي تساهم في عملية الإنتاج.

أن تطور نظرية العمل إلى نفقة الانتاج وأن كانت تعتبر خطوة في الطريق الصحيح، إلا أنها تعجز عن تفسير ظاهر القيمة، وأن قيمة أي شيء يباع في السوق لا تحدد فقط بنفقه انتاجه، فهذه النظرية تركز على جانب العرض، وتتجاهل ظروف الطلب على السلعة في السوق.

ثانياً: نظرية المنفعة الحدية

وفقاً لنظرية المنفعة، و التي تبنتها المدرسة الكلاسيكية الحديثة، فإن القيمة لا تتحدد بنفقة الإنتاج، وإنما تتوقف على منفعة السلعة للمستهلك، فالفرد عندما يفكر في قيمة شيء يريد شراؤه ينصرف ذهنه مباشرة إلى مقدار المنفعة التي يعتقد أنه سوف يحصل عليها من حيازته لها، وقلما يفكر في ربط قيمة هذا الشيء بنفقات إنتاجية.

وتشير نظرية المنفعة الحدية إلى أن المنفعة التي يحصل عليها المستهلك من استهلاكه وحدة إضافية من سلعة ما تقل كلما زادت الوحدات المستهلكة من هذه السلعة. وأن المستهلك، باعتباره شخصاً عاقلاً رشيداً، يهدف دائماً إلى تحقيق أقصي قدر إجمالي من المنفعة يمكن الحصول عليه بإنفاقه “دخله المحدود” على شراء مختلف السلع والخدمات.

ومن اهم الانتقادات التي وجهت لنظرية المنفعة الحدية أنها ركزت على منفعة السلعة كمحدد للقيمة وأهملت نفقة انتاج السلعة أي ركزت على جانب الطلب وأهملت جانب العرض.

مقالة ذات صلة: المنفعة الحدية: ما هي، أهميتها، أنواعها، مثال عليها

ثالثاً: التحليل الحديث للقيمة

يرجع إلى مارشال الفضل في التنسيق بين الآراء المتعارضة حول تفسير القيمة، والخروج منها بفكرة موحدة متكاملة. فقد جمع مارشال بين آراء نظرية “نفقة الانتاج” ونظرية” المنفعة الحدية” فيرى مارشال أن قيمة سلعة ما تتوقف على نفقة انتاج السلعة، والمنفعة المكتسبة من هذه السلعة، أي أن تتحدد الكمية المعروضة من السلعة بنفقه انتاجها، ومن ناحية أخرى تتحدد الكمية المطلوبة من هذه السلعة بمنفعتها للمستهلكين وعليها، تتحدد قيمة السلعة في السوق بتفاعل قوى العرض والطلب.

مقالة ذات صلة: العرض والطلب: التعريف، الأهمية، المنحني، العوامل الرئيسية، أمثلة

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *