الشخص الطبيعي: تعريفه، بدايته، نهايته، خصائصه

في هذه المقالة وضحنا في البداية تعريف القانون، وتعريف الحق، ثم القينا الضوء على أركان الحق، ثم وضحنا المقصود بأشخاص الحق، ثم جعلنا باقي المقالة تتناول موضوع الشخصية الطبيعية؛ حيث قمنا بتوضيح تعريف الشخص الطبيعي، ووضحنا بدء الشخصية الطبيعية وانتهائها، وقمنا بتوضيح خصائص الشخص الطبيعي وهي الاسم والحالة (الحالة العائلية والدينية والسياسية) والموطن والأهلية والذمة المالية؛ وبالطبع هناك معلومات كثيرة أخرى لم نذكرها في تلك المقدمة، ولذلك أنصحك بقراءة تلك المقالة لتتعرف عليها.

تعريف القانون

درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.

غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.

مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه

تعريف الحق

الحق هو استئثار شخص بميزة معينة استئثارًا يحميه القانون؛ فالحق استئثار، أي أن الميزة تنسب لصاحب الحق، وتثبت له دون غيره؛ والميزة التي يستأثر بها صاحب الحق هي عبارة عن سلطات معينة يمارسها بقصد إشباع مصلحة معينة، فالميزة هنا تتضمن وسيلة وغاية، ولا يقتصر معناها على السلطة وحدها أو المصلحة بمفردها، فمالك الأرض يستأثر بميزة معينة هي سلطاته في استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه بغرض تحقيق مصلحة معينة له من الاستعمال أو الاستغلال أو التصرف.

والميزة، سواء باعتبارها وسيلة أو غاية، يجب أن تكون مشروعة، وإن كنا لم نورد ذلك في التعريف، فإن ذلك مفهوم ضمنا، وبحكم الضرورة؛ لأن صاحب الحق إذا استخدم سلطاته لتحقيق مصلحة غير مشروعة فإن القانون لن يحمي له استئثاره بميزته، لأننا نكون قد خرجنا عن نطاق الحق. والقانون يحمي استئثار الشخص بالميزة، وهو إذ يحمي هذا الاستئثار، فإن ذلك يفترض بالضرورة أنه يقره لأنه لا يتصور أن يحمي القانون ميزة معينة لشخص وهو لا يقرها.

والنتيجة الطبيعية للاستئثار بالميزة هي وجوب احترام الغير للحق، سواء في صورة واجب سلبي عام يقع على عاتق الكافة، باحترام الحق أو في صورة واجب خاص يقع على عاتق المدين بالوفاء بدينه لصاحب الحق الشخصي؛ والتزام الغير باحترام الحق مصدره القانون الذي يحمي الاستئثار بالميزة، فلم يكن من المتصور أن يقر القانون استئثار شخص بميزة ثم يتركه دون حماية ضد اعتداء الغير.

مقالة ذات صلة: الحق: تعريفه، أنواعه، أركانه، مصادره، أشخاصه، محله

أركان الحق

ذكرنا أن الحق هو استئثار شخص بميزة معينة استئثاراً يحميه القانون، ويظهر من هذا التعريف أن الحق يفترض أولا شخصاً معيناً يٌثبت له الاستئثار، ومن ثم التسلط والاقتضاء، وعلى ذلك فالركن الأول في الحق هو الأشخاص أصحاب الحقوق ؛ ثم إن الاستئثار ينصب على قيم أو أشياء معينة هي محل الحق، ومحل الحق إما أن يكون شيئا كما في الحقوق العينية، وإما أن يكون عملأ أو امتناع عن عمل، كما في الحق الشخصي، وبالتالي فالأشياء أو الأعمال هي الركن الثاني في الحق.

أما الحماية القانونية للحق، فهي وإن كانت ضرورية له، فهي ليست ركنا فيه، ولقد تناولنا الحماية القانونية عند تناولنا استعمال الحق، بهذا يتحدد موضوع أركان الحق بمسألتين هما: أشخاص الحق ومحل الحق.

أشخاص الحق

المقصود بالشخص

المقصود بالشخص من الناحية القانونية هو من يتمتع بالشخصية القانونية.

المقصود بالشخصية القانونية

الشخصية القانونية معناها الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالواجبات، أي الالتزامات، فكل من كان صالحا لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، يسمى في لغة القانون شخصاً، ولكل شخص الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، والشخصية القانونية تثبت للإنسان بمجرد ولادته، والإنسان يسمى الشخص الطبيعي (موضوع هذه المقالة)؛ وبالإضافة إلى الإنسان، فان الشخصية القانونية تثبت لبعض مجموعات من الأشخاص أو الأموال، كالجمعيات والمؤسسات، وهذه المجموعات التي تكتسب الشخصية القانونية تسمى شخصاً معنوياً أو اعتبارياً، لأنها شيء معنوي غير محسوس.

مقالة ذات صلة: أنواع الشركات – الشركات الفردية وشركات الأشخاص وشركات الأموال

الشخص الاعتباري

رأينا أن الشخصية القانونية هي الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وأن هذه الشخصية، كما تثبت للإنسان تثبت أيضا لمجموعات من الأموال، كالمؤسسة أو لمجموعات من الأشخاص، كالشركة، وعندئذ تسمى الشخصية الاعتبارية، لأنها عندما تعطى لهذه المجموعات، إنما تمنح لكائن معنوي أو تصوري، وذلك بفرض تحقيق أهداف معينة.

مقالة ذات صلة: الشخصية الاعتبارية: تعريفها، أهميتها، نهايتها، خصائصها، مقوماتها، أنواعها

الشخص الطبيعي

الشخص الطبيعي – كما قلنا – هو الإنسان، وهو يكتسب الشخصية القانونية بمجرد ميلاده، وتظل لصيقة به حتى وفاته.

وبمجرد ولادة الإنسان فإنه يتسمى باسم يعرف به ويميزه عن غيره، وما دام قد أصبح فردا في المجتمع فإن مركزه القانوني في هذا المجتمع الذي يعيش فيه يتحدد بعدة صفات، يطلق عليها اصطلاح الحالة، وهي تشمل مركز الشخص في أسرته، وهذا ما نسميه الحالة العائلية، ومركز الشخص بالنسبة للدولة التي ينتمي إليها، وذلك ما يسمى بالحالة السياسية، والإنسان في حياته يعيش متمتعا بالشخصية القانونية، أي يكون صالحا لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، ولكنه لا يستطيع مباشرة التصرفات التي تكسبه الحق أو تحمله الالتزام، إلا إذا بلغ قدرا من التمييز والوعي، أي إذا كانت له أهلية الأداء التي هي قدرته على مباشرة التصرفات التي تنشئ له حقوقا أو تحمله بالالتزامات؛ ولذلك فانه إذا كان لكل إنسان الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وهو ما يطلق عليه اصطلاحا أهلية الوجوب، فان الأفراد يتفاوتون في أهلية الأداء حسب السن والحالة العقلية.

ومجموع ما يكتسبه الشخص من حقوق وما عليه من التزامات يسمى الذمة المالية فلكل إنسان ذمة مالية، هذا والحياة القانونية للشخص تفترض أن يكون له محل يقيم فيه، ويمكن أن يخاطب فيه بشأن الأعمال القانونية المختلفة، وهذا ما يسمى بالموطن؛ وهكذا يتضح من العرض السابق أننا سنتناول أولا: بداية الشخصية ونهايتها، ثم بعد ذلك ندرس مميزات هذه الشخصية من اسم وحالة وموطن وأهلية وذمة مالية، وذلك على الوجه الآتي:

المطلب الأول: بدء الشخصية الطبيعية وانتهائها

بدء الشخصية القانونية الطبيعية

تبدأ الشخصية القانونية للإنسان بتمام ولادته حيا (مادة ١/٢٩ مدني)-، وعلى هذا يشترط حتى تثبت الشخصية القانونية للإنسان شرطان: أولهما، أن تتم ولادته، بمعنى أن ينفصل عن أمه تماما، فإذا مات قبل أن ينفصل تماما عن أمه، فلا تثبت له الشخصية القانونية، حتى لو كان عند وفاته قد خرج معظمه من بطن أمه؛ والشرط الثاني أن يكون الإنسان حيا في اللحظة التي ينفصل فيها عن أمه، ويستدل على الحياة بالعلامات الظاهرة، مثل البكاء والتنفس والحركة، ومتى توافر هذان الشرطان ثبتت للإنسان الشخصية القانونية، حتى لو كان غير قابل للحياة، وحتى لو مات بعد ذلك بلحظات.

ويقضي قانون الأحوال الشخصية بوجوب التبليغ عن المولود، وقد نظم القانون هذا التبليغ، وقرر إمساك سجلات لقيد المواليد، ويجب أن يتم التبليغ عن الميلاد في خلال خمسة عشر يوما من تاريخه، ومتى تم التبليغ يتم استخراج مستند رسمي بواقعة الميلاد يكون دليلا عليها، وهذا هو المستند الذي يسمى شهادة الميلاد؛ ولكن يلاحظ أن شهادة الميلاد ليست الدليل الوحيد على واقعة ميلاد الطفل، فهذه واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق، ولذلك فان المادة ٢٠ مدني بعد أن نصت في فقرتها الأولى على أن تثبت الولادة والوفاة بالسجلات الرسمية المعدة لذلك أضافت في فقرتها الثانية: “فإذا لم يوجد هذا الدليل أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات جاز الإثبات بأية طريقة أخرى”.

مركز الجنين (الحمل المستكن)

رغم أن القاعدة العامة، كما سبق بيانه، هي أن الشخصية القانونية لا تثبت للإنسان إلا بتمام ولادته حيا، إلا أن القانون أجاز استثناء أن يكتسب الجنين بعض الحقوق، أي أن القانون اعترف له بشخصية قانونية ناقصة (مادة 2/20 مدني)؛ والحقوق التي يكتسبها الجنين هي الحقوق التي لا يتوقف ثبوتها له على قبول منه وهي:

  1. حقه في الميراث. فاذا مات شخص وكان الجنين من الأفراد الذين يرثونه لو كان قد ولد قبل وفاة هذا الشخص، فان الجنين يكون له الحق في الميراث، وبالتالي فانه عند توزيع التركة يحجز للجنين نصيبه على أنه ذكر، فان ولد وكان ذكرا أخذ النصيب الذي حجز، أما إذا كان أنثى أخذت نصيبها من المقدار المحجوز والباقي يرد إلى مستحقيه من ورثة المتوفى (مادة ٢ من القانون رقم ٧ لسنة ١٩٤٣).
  2. حقه في الوصية، أي حقه فيما يوصى له به من أموال (المادتان ٢٥ و ٢٦ من قانون ٧٠ لسنة ١٩٤٦).
  3. حقه في ثبوت نسبه إلى أبيه.
  4. حقه في الاستفادة من الاشتراط لمصلحته (مادة ٥٦ ١ مدني) فاذا أبرم شخص تأمينا على حياته، واشترط دفع التأمين لابنه الذي سيولد، فان الجنين يكتسب هذا الحق.
هل تجوز الهبة للجنين؟

الحقوق السابق ذكرها تثبت للجنين بنص القانون، ولذلك لا خلاف حول ثبوتها له، ولكن الفقه اختلف بشأن الهبة للجنين.

فذهب البعض إلى أنه تصح الهبة للجنين، والقبول الذي يشترط لتمام الهبة، باعتبارها عقد يصدر من الوصي على الجنين، فالقانون أجاز للأب أن يعين وصيا على الجنين (مادة ٢٨ من قانون الولاية على المال)، فاذا لم يختر الأب وصيا عينت له المحكمة وصيا (مادة ٢٩ من القانون السابق)، كما قرر أن هذا الوصي يقبل الوصية التي يوصي بها للجنين (مادة ٢٠ من قانون الوصية)، وقياسا على ذلك يستطيع الوصي قبول الهبة، ويخلص هذا الرأي إلى أن الجنين تثبت له الحقوق النافعة له نفعا محضاً، سواء كانت تحتاج لثبوتها إلى قبول منه أو لا تحتاج إلى قبول لأنه في الحالة الأولى سيتولى قبولها عنه الوصي عليه.

بينما ذهب البعض الآخر إلى أن الجنين لا تثبت له إلا الحقوق التي لا يحتاج ثبوتها له إلى قبول منه، ولما كانت الهبة عقد يتم بايجاب وقبول، فإنها لا تصح لعدم إمكان صدور قبول من الجنين، ولا وجه لما يدعيه أصحاب الرأي الأول من أن الوصي على الجنين تقبل منه الهبة قياساً على قبول الوصية؛ لأن هذا قياس مع الفارق، حيث إن الوصية تصرف يتم بإرادة الموصي وحده، وما القبول إلا شرط للزومها وامتناع ردها، بينما الهبة عقد يعتبر القبول ركئا فيها لا تتم بدونه، ثم إنه إذا كان القانون قد نص على اختيار أو تعيين وصي على الجنين، فانه لم يقصد بذلك إقامة نائب قانوني عن الجنين يتولى إبرام التصرفات القانونية بدال منه – كما هو مفهوم – بشأن الوصي، وإنما أراد تعيين شخص يكون مجرد حارس وأمين على أموال الجنين يتولى الحفاظ عليها.

ويبدو لنا أن الرأي الثاني هو الأقرب إلى الصواب، نظرا لأن ثبوت الحقوق للجنين يعتبر استثناء على الأصل العام، وهو عدم بداية الشخصية القانونية، إلا منذ الولادة، وهذا الاستثناء ورد في نصوص صريحة، ولا يمكن عن طريق القياس إضافة حقوق أخرى إليها، نظرا لأن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره، وبالتالي فان الهبة للجنين لا تجوز، لأن النصوص لا تذكرها ضمن الحقوق التي تثبت للجنين؛ ويتبين لنا مما سبق أن الجنين تكون له شخصية قانونية ناقصة، فهو من ناحية لا يتحمل بالتزامات على الإطلاق، ومن ناحية أخرى لا يكتسب من الحقوق إلا بعضها.

كما يلاحظ من ناحية أخرى أن هذه الحقوق التي يكتسبها الجنين معلقة على شرط تمام ولادته حيا، فاذا تمت هذه الولادة ثبتت هذه الحقوق في ذمته نهائيا، أما إذا ولد ميتا زالت عنه هذه الحقوق بأثر رجعي فيرد الميراث والمال الموصى به إلى مستحقيهم، ولكن إذا ولد حيا ثم مات بعد ذلك ولو بلحظات اعتبرت هذه الحقوق تركة خلفها بعد موته وتوزع على ورثته.

انتهاء الشخصية القانونية الطبيعية

طبقا لنص المادة ٢٠/ ١ مدني تنتهي شخصية الإنسان بموته وتثبت الوفاة كالميلاد في السجلات المعدة لذلك، إلا أن هذه الشخصية قد تنقضي في وقت سابق على الوفاة، إذا حكم بموت المفقود، وهذا ما نبينه في الكلام عن مركز المفقود.

مركز المفقود

المفقود هو الغائب الذي لا تعرف حياته أو مماته؛ ويختلف المفقود عن الغائب، فالغائب هو كل شخص هجر موطنه وماله طوعا أو كرها، ولو كانت حياته محققة، وذلك متى حالت ظروف قاهرة دون إدارة أمواله بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة، وترتب على ذلك إضرار بمصالحه أو مصالح غيره؛ فالغائب إذا يفترق عن المفقود لأن الأول حياته معلومة، أما الثاني فلا يعلم أهو حي أم ميت، ولذلك فان المفقود يثير إشكالا بشأن أحكامه القانونية، لأننا لا نعرف هل هو حي فتكون شخصيته القانونية باقية أم أنه ميت فتكون قد انتهت، ولذلك فلمعرفة الأحكام القانونية الخاصة بالمفقود نميز بين حالات ثلاث:

الحالة الأولى: وهي حالته في الفترة ما بين فقده وقبل الحكم بموته

في هذه الفترة لا نستطيع الجزم بأنه حي أو ميت، ولذلك نرجح أصلح الوضعين بالنسبة له فنفترض أنه حي، وبالتالي تبقى زوجته على ذمته وتبقى أمواله، ويعين وكيناً لإدارتها، ولا توزع على الورثة، لأن موته غير محقق، ولكن مراعاة لاعتبار أن حياته أيضاً غير مؤكدة، فان ما يرثه من مال يوصى له به أثناء هذه الفترة، يحجز له، ويكون مصير هذه الأموال الموروثة أو الموصى بها معلقا على شرط التأكد من حياته.

الحالة الثانية : وهو بعد الحكم بموته

من غير المعقول أن يستمر وضع المفقود معلقا هكذا لا يعرف أهو حي أم ميت، لذلك فان القانون (مرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩) قرر أنه يحكم بموت المفقود بعد فترة من فقده حتى تسوى المسائل الخاصة به، والمدة التي يحكم بعدها بموت المفقود تختلف باختلاف فرضين (مادة ٢١ من القانون ٢٥ لسنة ١٩٢٩ معدلة بالقانون رقم ٢ لسنة ٢٠٠٦).

  • الفرض الأول: إذا كان المفقود قد فقد في ظروف يغلب فيها الهلاك، كما إذا كان قد خرج في حرب أو فقد أثناء فيضان أو زلزال، هنا يحكم القاضي بموت المفقود بعد مضي أربع سنوات على الفقد، لكن يعتبر المفقود ميتا بعد مضي مدة خمسة عشر يوما على الأقل من تاريخ فقده في حالة ما إذا ثبت أنه كان على ظهر سفينة غرقت، أو كان في طائرة سقطت، وبعد مضي سنة إذا كان من أفراد القوات المسلحة، وفقد أثناء العمليات الحربية (القانون رقم ٢ لسنة ٢٠٠٦ بتعديل أحكام المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩). ويصدر رئيس مجلس الوزراء أو وزير الدفاع، بحسب الأحوال، وبعد التحري واستظهار القرائن التي يغلب معها الهلاك، قرارا بأسماء المفقودين الذين اعتبروا أمواتا في حكم الفقرة السابقة ويقوم هذا القرار مقام الحكم بموت المفقود.
  • الفرض الثاني: أما في الفرض الثاني حيث يفقد المفقود في ظروف لا يغلب عليه فيها الهلاك، فان القاضي يحكم بموته بعد مضي المدة التي يقدرها، سواء كانت أربع سنوات أو أكثر.

ومتى حكم باعتبار المفقود ميتا، أو نشر قرار رئيس مجلس الوزراء أو قرار وزير الدفاع باعتباره ميتا، فانه يعتدر ميتا من وقت الحكم بموته أو نشر القرار في الجريدة الرسمية، وذلك بالنسبة لماله، أما بالنسبة لمال غيره فإنه يعتبر ميتا من وقت الفقد؛ فبالنسبة لماله يوزع على ورثته الموجودين وقت الحكم بموته، وتعتد زوجته عدة الوفاة، ثم يكون لها الحق في الزواج بآخر بعد انتهاء فترة العدة (مادة “٢٢” من القانون السابق ذكره). أما بالنسبة لما كان محجوزا له من نصيب في الإرث أو مال موصى به، فإنه يعتبر ميتا من وقت الفقد، فيرد هذا النصيب إلى ورثة مورثه، ويرد المال الموصى به إلى ورثة الموصي.

الحالة الثالثة: وهي حالته إذا ظهر حيا بعد الحكم بموته

وفي هذه الحالة يأخذ ما بقي من أمواله في أيدي الورثة، أما ما استهلكوه أو تصرفوا فيه، فليس له حق فيه ولا يستطيع مطالبتهم بتعويض منه لأنهم تملكوه بحكم القاضي؛ وكذلك له حق نصيبه من الإرث الذي كان قد رد إلى ورثة مورثه بعد الحكم بموته، وكذلك المال الذي كان قد أوصى له به ورد إلى ورثة الموصي بعد الحكم بموته، ولكن مع مراعاة أنه لا يستطيع أن يأخذ من هذه إلا ما بقي في أيدي هؤلاء.

وبالنسبة لزوجته فهي تكون له إذا لم يكن قد تزوجها آخر غير عالم بحياته ودخل بها، وإلا فإنها تكون للزوج الثاني؛ من هذا يتبين أن الشخصية القانونية، وإن كانت -كقاعدة عامة- تنتهي بوفاة الإنسان وفاة حقيقية، فإنها قد تنتهي قبل الوفاة الحقيقية، وذلك في حالة الحكم بموت المفقود، فالحكم بموته يعتبر موتا اعتباريا أو حكما وليس حقيقيا، وهذا ما يمثل استثناء على القاعدة العامة.

المطلب الثاني: مميزات أو خصائص الشخصية القانونية الطبيعية

الفرع الأول: الاسم

تعريف اسم الشخص

لكل شخص اسم يعرف به ويميزه عن غيره، وقد نصت على ذلك المادة ٣٨ من التقنين المدني بقولها: “يكون لكل شخص اسم ولقب، ولقب الشخص يلحق أولاده”؛ ويتضح من هذا النص أن الاسم كمميز لشخصية الإنسان يتكون من اسم الشخص الذي يميزه عن غيره من الأفراد، ويطلق عليه عند ميلاده.

تعريف اللقب

اللقب وهو اسم العائلة الذي ينتمي إليها الفرد، وهو يميزها عن غيرها من العائلات، ولما كان اللقب يؤدي دورا هاما في ربط الأسرة الواحدة، وخلق الإحساس بالوحدة والتضامن، فقد أوجب القانون أن يتخذ الإنسان لقبا بجانب اسمه الشخصي، ولكن المشرع لاحظ أن مسألة اكتساب الألقاب وتغييرها يحتاج لتنظيم مفصل، فأشار إلى وجوب إصدار قانون خاص ينظم الألقاب من حيث اكتسابها وفقدها (مادة ٢٩ مدني).

بيد أن هذا التشريع الخاص لم يصدر بعد، ولذلك فالعمل يجري في مصر على أن الاسم يتكون من الاسم الشخصي للفرد واسم والده، ثم اسم جده أو لقب عائلته، وهذا ما يقتضيه قانون الأحوال المدنية؛ إذ يستلزم ذكر اسم المولود، واسم والده، ثم اسم جده أو لقب العائلة، وذلك ضمن البيانات التي يجب على المبلغ عن المولود أن يدلي بها، والتي تدون في سجلات الأحوال المدنية. ولقب الشخص يلحق أولاده (مادة ٣٨ مدني)، فالولد يأخذ لقب أبيه، ولو رغما عنه، لكن لقب الزوج لا يلحق زوجته، بل تظل بعد الزواج محتفظة بلقب أسرتها الأصلية، وهذا على عكس الحال في البلاد الغربية، حيث تكسب الزوجة لقب زوجها.

مقالة ذات صلة: الاسم فى القانون وحماية الأسم واسم الشهرة والاسم التجاري

الفرع الثاني: الحالة

الحالة هي مجموعة صفات يتصف بها الشخص، وتؤثر في حقوقه وواجباته وهذه الصفة قد يتصف بها الشخص تجاه الدولة التي يعيش على أرضها، فيكون الشخص تبعاً لنوع هذه الصلة وطنيا أو أجنبيا، وسمى الحالة هنا بالحالة العامة أو السياسية، وقد يتصف الشخص بصفة معينة إذا ما نظر إليه كفرد في أسرة، فيكون أباً أو أو أما أو ابناً، وهكذا…، وتسمى هذه الحالة المدنية أو العائلية؛ وقد يترتب على اعتناق الشخص لديانة معينة آثار خاصة بحقوقه وواجباته، وهذه تسمى بالحالة الدينية.

أنواع الحالة

وعلى ذلك، فإننا سنتناول كل نوع من أنواع الحالة:-

  1. الحالة العامة او السياسية
  2. الحالة العائلية او المدنية
  3. الحالة الدينية
أولاً: الحالة العامة او السياسية

تتحدد الحالة العامة للشخص طبعا لعلاقته بالدولة التي يقيم فيها، وانتساب الشخص لدولة معينة يعبر عنه بالجنسية، والجنسية هي مصطلح يشير إلى الدولة التي يكون الشخص مواطناً لها أو أحد رعاياها، والجنسية تتضمن خضوع الشخص لسيادة الدولة التي ينتمي إليها وشموله برعايتها والحصول علي امتيازات مثل المشاركة فى الحياة السياسية والمناصب العامة وتحمل التزامات مثل الخدمة العسكرية ودفع الضرائب.

مقالة ذات صلة: الجنسية في القانون: تعريفها وأنواعها وطرق الحصول عليها

ثانياً: الحالة العائلية او المدنية

القرابة هي الصلة التي تربط بين شخصين أو أكثر ويرتب عليها القانون أثراً، والأسرة هي مجموعة من الأفراد تربطهم صلة القرابة، وتنص المادة ١/٣٤ مدني على ذلك بقولها “تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه”

والقرابة نوعان: قرابة الدم أو النسب وقرابة المصاهرة؛ وقرابة الدم هي التي توجد بين الأشخاص الذي يجمعهم أصل مشترك (مادة ٢/٢٤ مدني). وتنقسم قرابة النسب إلى قسمين قرابة مباشرة و قرابة حواشي؛ اما قرابة المصاهرة فهي الناتجة عن الزواج، وهي بين أقارب أحد الزوجين والزوج الآخر، وتبين المادة ٣٧ مدني ماهية هذه القرابة، وكيفية حسابها بقولها: “أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر”؛ وعلى ذلك، فقرابة المصاهرة هي القرابة التي تنتج من الزواج، وتوجد بين كل من الزوجين وأقارب الزوج الآخر.

مقالة ذات صلة: القرابة – انواعها وكيفية اثباتها و درجات القرابة

ثالثا: الحالة الدينية

الأصل أن انتماء الشخص لدين دون آخر لا يؤثر في شخصيته القانونية، أي فيما يتمتع به من حقوق وما يتحمله من التزامات، والذي يحدد نطاق شخصيته من حيث حالته هو مركزه في الأسرة أو مركزه في الدولة؛ وهذا الأصل مطبق، سواء بصدد الحقوق السياسية أو الحقوق العامة، فهي تثبت لجميع المصريين على حد سواء دون تفرقة بين مصري وآخر بسبب الدين، لكن يرد على هذا الأصل استثناء معين في مسائل الأحوال الشخصية؛ لأن أحكامها مستمدة من الشرائع السماوية.

ومن أمثلة ذلك، أن المسلم له حق طلاق زوجته بإرادته المنفردة، وله الحق في الزواج بأكثر من واحدة، وذلك بخلاف غير المسلم، وكذلك فانه لا توارث بين المسلم وغير المسلم، فكل منهما لا يرث الآخر (مادة ٦ من القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٤٣ بشأن المواريث)؛ ولكن فيما عدا هذه الأحكام فإن الدين لا يؤثر في حقوق الشخص والتزاماته، ويبقى الأصل موجودا، وهو أن حالة الشخص تتحدد بمركزه في أسرته ودولته وأن الدين أثره ثانوي.

مقالة ذات صلة: الحالة في القانون – الحالة السياسية والمدنية والدينية

الفرع الثالث: الموطن

تقتضي الحياة القانونية للفرد أن يكون له مكان يخاطب فيه بشأن علاقاته القانونية، وهذا المكان يعرف بالموطن، وقد عرفته المادة ١/٤٠ مدني بأنه “المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة”، والموطن بهذا المعنى يختلف عن محل السكن، أي المكان الذي يسكن فيه الشخص ولو بصفة غير معتادة، وإن كان الغالب أن يجتمع المكانان، بمعنى أن يقيم الشخص عادة في محل سكنه.

والقانون يفترض أن هذا المكان هو الذي يباشر فيه الشخص أعماله، وبالتالي يجب أن يخاطب فيه بشأن أعماله ونشاطه، لكن ليس معنى ذلك أن الشخص ملزم بأن يباشر نشاطه في موطنه فقط، وإنما يستطيع أن يمارس هذا النشاط بحرية في أي مكان يريده، كل ما في الأمر أن مخاطباته ستتم على هذا المكان، وذلك من قبيل التيسير في التعامل، فالموطن يشترطه القانون لمصلحة الشخص نفسه ولمصلحة الغير، وهذا ما يتضح من الكلام عن أهمية الموطن.

مقالة ذات صلة: الموطن – تعريف وأهمية الموطن وكيفية تحديده

الفرع الرابع: الأهلية

أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وهو ما يعبر عنه بالشخصية القانونية، كما بينا من قبل، أما أهلية الأداء فهي قدرة الشخص على ممارسة التصرفات القانونية التي تكسبه حقا أو ترتب على عاتقه التزاما؛ وقد بيئا في بداية المقالة أن الشخصية القانونية أو أهلية الوجوب تثبت للشخص بمجرد ميلاده، وتلازمه حتى وفاته، أما أهلية الأداء فلا تثبت لكل إنسان، لأنها تتضمن القدرة على مباشرة التصرفات القانونية، وهذا يتطلب قدرا من التمييز وسلامة القوى العقلية.

مقالة ذات صلة: الأهلية – السن وعوارض الأهلية والجنون والعته والسفه والغفلة

الفرع الخامس: الذمة المالية

الذمة المالية هي مجموع ما للشخص من حقوق وما عليه من التزامات في الحاضر والمستقبل، ومن هذا التعريف يتبين أن الذمة المالية لا تشمل إلا الحقوق والالتزامات ذات الطبيعة المالية، فهي تضم الحقوق المالية، سواء كانت حقوقا عينية أصلية أو تبعية أو كانت حقوقا شخصية أو حقا ماليا للمؤلف على مصنفه؛ وعلى العكس من ذلك فإن الذمة لا تضم الحقوق غير المالية، وهي الحقوق العامة، والحقوق السياسية، وحقوق الأسرة، وإن كان الاعتداء على هذه الحقوق غير المالية يولد حقا ماليا في التعويض عن الضرر الذي سببه هذا الاعتداء.

والحقوق المالية تكون الجانب الإيجابي في الذمة المالية، أما الجانب السلبي في الذمة المالية، فهو يشمل الالتزامات المالية، مثل الالتزام بدفع مبلغ من النقود، كما يضم هذا الجانب ما يقرره الشخص من حقوق للغير على أمواله؛ فالرهن الذي يقرره المدين على أمواله لمصلحة الدائن يعتبر عنصرا في الجانب السلبي لذمة المدين. ولكن لا يشمل هذا الجانب الالتزامات غير المالية، كالواجب العام الذي يلتزم بمقتضاه الكافة باحترام حقوق الغير، فإذا زاد الجانب الإيجابي عن الجانب السلبي في الذمة سمي الشخص مويسراً، أما إذا حدث العكس سمي الشخص معسراً.

مقالة ذات صلة: الذمة المالية – تعريفها وخصائصها وأهميتها

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *